الأجدر أن تضئ شمعة بدل من أن تلعن الظلام ! هنا ..كان لابد من وقفة.


الأجدر أن تضئ شمعة بدل من أن تلعن الظلام ! هنا ..كان لابد من وقفة.
محمد بوتخريط . هولندا .


- أول الحكاية..

"لا يعجبهم العجب ... ولا صيام رجب" ..

عبارة شعبية كنت اسمعها قديما...كان ولا زال يطلقها البعض - خاصة آبائنا وأجدادنا - على اولائك الذين لا يرون فيما يفعله الآخرون إلا "الاخطاء". فإن فعلوا ما يرونه صحيحا من وجهة نظرهم فهم محلُّ نقدهم، وإن فعلوا ما يرونه صواباً فهم محل نقدهم أيضا، إما لأنهم ... أو لأنهم ... أو في أحسن الأحوال لأنهم ..
المهم أنهم في نظرهم مخطئون في كل حال، واحوال، ولا يستحق شيء من أفعالهم الثناء مهما كانت درجة الاتقان والإحسان فيه.
باختصار شديد..حكايتهم ، حكاية اولائك الذين لا يجدون في الورد عيبا فيعيرونه بأنه أحمر الخدين.!
هكذا حملت لنا الاخبار وبعض المواقع والمنتديات في المدينة عن بعضٍ من أهاليها ، من بعض المثقفين وبعض المشتغلين بالسياسة و بعض المشتغلين بالإعلام او منهم حتى بعض المهتمين بالعمل الجمعوي ، فأبعد شيء عندهم...الاعتراف و... الإنصاف.

- حين...يقع الفاس في الراس.
جل تحركاتنا ردود افعال ..
وردّ الفعل كما الجميع يعلم هو اضعف من الفعل نفسه ... دائما ما يكون مشوبا بالعاطفة وبعيدا تماما عن اي تعقل.
لماذا ننتظر دائما افعال الآخرين لنتحرك..
أعتقد جازماً بأننا أصبحنا في وضع لا يحسد عليه في إدارتنا لبعض الملفات ، بل كثيرا ما نسكت عنها الى حين نراها تُنقل إلى ملعب آخر. وهنا ايضا دائماً ما تكون تحركاتنا على هيئة ردود أفعال،بعيدا عن اي استراتيجيات مدروسة للتحرك.
نتحرك وفقط .. عندما "يقع الفاس في الراس" كما يُقال.

- هنا كان لابد من وقفة.
وأنا أدخل المدينة خلسة ، سجلت أسفي حين سألت عن مثقفيها ، وعلمت من خلال أجوبة ضمنية أو صريحة أن بعضهم تفرقوا وضاع شمل الاخرين .. والباقي استوطن جلبابه واعتكف مع ذاته..والباقي القليل جدا من الباقي هو فقط من يعانق الساحة.. ويغازل الميادين .
وكم أحزنني و يحزنني ذلك...
"الأجدر أن تضئ شمعة ..بدل من أن تلعن الظلام" ..
هكذا كان رد صديق لي حين سألته عن الوضع في المدينة .. وحال أهلها.

- استدعاء الذاكرة..
أحداث وأخرى تعيشها المدينة بين فترة وأخرى ...احتفالات.. ندوات .. لقاءات..مهرجانات..تكوينات.. ورشات بل ومؤتمرات.. تعيد تسليط الضوء على علاقة بعض أهلها ببعضهم البعض.
علاقة تمر بفترات غير مستقرة .. مرة في أوج أواصرها وتطورها واستقرارها الذي ينجم أحياناَ (وطبعا) ليس بسبب اتفاق وحدة الرؤية وانما لوحدة المصالح ، وفي أحيان اخرى كثيرة نراها متذبذبة وغير مستقرة..
تتسم بالتنامي تارة والانحسار والتراجع تارة اخرى .. كانت مستقرة جداَ خلال فترة زمنية ما اصبحت اليوم نوستالجيا ، خاصة اواخر السبعينات والثمانينات..عرفت المدينة خلالها اشعاعا ثقافيا تاريخيا وحضاريا... وسياسيا .. تتالت النجاحات و عرفت أوجها .
لكن الذاكرة ليست التاريخ .. الذاكرة غير مؤرخة وغير مكتوبة والتاريخ فيه الأشياء المعاشة والمكتوبة والمتفق عليها..وعلى هؤلاء استدعاء الذاكرة .. فاستدعاءها استدعاء للمراحل التاريخية التي عرفتها المدينة...والمحطات النضالية التي عرفها أهلها.. لعلهم يهتدون.
تذبذبت اليوم كل النجاحات خاصة بعد ان أسندت بعض الأمور إلى غير أهلها...وإذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة ...فعلا "رحم الله امرىء عرف قدر نفسه ".
كم أشفق عنكم...مُجبرون أنتم اليوم اصدقائي لا أبطال...
اعتقد الكثيرون انهم تسلموا مفاتيح اصلاح المدينة فانتشروا في أرضها يبتغون من فضل من سبقوهم .. يعبثون فيها وينشرون جهلا وتفريقا وخرابا... معتقدين انهم وحدهم على صواب و الاخرون مخطئون ... يحركهم إلى ذلك ثقة مبالغ فيها بأنفسم.. مبنية ( في مخيلتهم ) على خبرات و تجارب.لكنها -طبعا- ليست مبررا لأن تجعلهم متفردين في القدرة على التنظير واتخاذ القرارات .
بل هي قلة خبرة، وهشاشة تجربة ، فرضتها ظروف ما ، لتختم نسيج خيوطها اليوم ، حكومة هشة ..حكومة "التطهير" العرقي، والإستبداد، وسوء الأحوال المعيشية، وإنسداد أفق الآمال...والاحلام.
مُجبرون أنتم اصدقائي لا أبطال..

- جس نبض ..ورد الفعل.
جهات ، وأخرى كثيرة على الطرف الآخر. تمتلك قراءات ما في دوائرها الخاصة للأبعاد والتداعيات المترتبة على ذات الوضع ... لكنها ايضا واعية ان مسألة السيطرة على ردود الأفعال والانعكاسات المترتبة على هذه السياسات ليس بالأمر السهل. والتوقعات والاحتمالات ستكون عرضة لمفاجآت غير متوقعة، ولمسار مهزوز في العلاقة بين هذه الجهات وهؤلاء..وستجري رياحها عكس ما تشتهي...
بلا شكّ ، هنالك حديث طويل وعريض حول الوضع . لكنه -أكيد- لا يترجم إلى تكتل او تفاهم يضع طريقا متكاملا لبرنامج متكامل، ويعيد هيكلة العلاقة على أساسها، بل ما تزال القرارات مبنية وفقط ، على مبدأ جس النبض وردود الفعل.

- في ظل صراع الاطراف .
كل حدث أقبَل على سكان المدينة إلا ويحلمون معه بأن يحمل معه تغيرات تنتشلهم من الواقع المزري الذي عاشته و تعيشه مدينتهم، يأملون أن يحمل معه ما يخدم المدينة وينسيهم ماعاشوه من آلام وأحزان.
لكن تأتي الاحداث وتمضي... ولا يجدون ما يستحضروه سوى المثل إياه (دار لقمان على حالها).
بين ما هو قائم ومتوقع، تبقى الوقائع هي الاساس، وتبقى المدينة فعلا على حالها..وفقط تترك خلفها المزيد من الخلافات . والمزيد من علامات الاستفهام على شاكلة.. ما هو سر هذا لوضع..ما سرهذه الخلافات.. هل هي فعلا انعكاس لأحداث ما، أو هو إرث قديم يعود إلى قرون ماضية، أو هو فقط حب ظهور وعشق الكلام ، أم مجرد أن الخلاف هواية وعادة يمارسها البعض؟.
تسمع البعض يقول أن طرف ما هو من بدأ الخلاف ، بينما يرى آخرون أن العكس صحيح، وبين الإثنين "آخرون " غيورون من أبناء المدينة يحاولون وفي صمت ونكران الذات السير بالمدينة الى الاحسن .. لكن محاولاتهم لا يكتب لها النجاح.. في ظل صراع الاطراف الاخرى ، ورغم أن الكل ينتمي لنفس المدينة ولنفس الواقع..لكنهم يختلفون في الفكر والرؤية.. و.....المصالح!
أحداث تجري وبوتيرة متاصعدة على مرأى ومسمع الجميع..
و أمور أخرى كثيرة تجري خلف الكواليس لايعلمها الكثير ..
تكونت جمعيات وجمعيات.. رُشح لها مرشحين ومرشحين ..لم يكن الكثير من الاهالي راضون عنهم، ولم يكونو يرون أنهم الأشخاص المناسبون في المكان المناسب.
وأحزاب لا تكتفي بحملاتها السرية ..إنضمامات ..إنشقاقات.. وئام...تحالف.. وهلم جرا. و تلعب مواقع المدينة ادوارها الكبيرة في حملة الوئام الإعلامية، تتسارع وتيرة حملات صاخبة إلى شراء الذمم والضغط بوسائل الترغيب والترهيب..وما الى هذا وذاك...

- في مدينتي كل على حق..
في مدينتي كل على حق ، حتى الصعاليك والحشاشين وقطاع الطرق..
هو الحال في المدينة كل يعتقد أنه لا يخطئ.. وأنه على حق.!
بل والاخطر أنه يرى انه صاحب رأي صحيح لا جدال فيه.. وأن هناك آخراً أو آخرين على خطأ..
في المدينة هناك .. لا نفع من نقاش ولا تحاور ولا حتى ابداء راي بسيط لان هناك في المدينة يعتقد البعض( و قد يكون الكثيرون منا منهم) أنهم دائما على صواب .. و أن الرأي الذي يصلون إليه ، هو الرأي الأمثل، لذلك فلا مجال إلى أراء الأخرين.. او وجهات نظرهم.
فعندما يسيطر هذا الاعتقاد ...ماذا تنتظر من مستقبلٍ للمدينة...؟
هم يقولون عن انفسهم انهم نخبُ المدينة.. والمدينة تتبرأ ، وترد في صمت ، هم وصمة عار على المدينة.!
يُنظرون..يؤسسون.. يشكلون جمعيات وجماعات ثم يشكرون.. ينددون.. ينسحبون. كلٌّ يحدث دون حتى ان يتحركوا من على كراسيهم في مقاهي المدينة...او من على كراسي مقرات مواقعهم الالكترونية التي ينشؤونها ويعتكفون داخلها...بعد ان يكونوا قد انهوا "دورتهم" المراطونية في الانتقال عبر كل المواقع في المدينة..
كيف يجرؤون...؟
يعتقدون أنهم على حق، وكل الأدلة معهم؟
لكن ... لماذا يعتقدون أنهم كذلك ؟
هل الامر فعلا كذلك أم هو فقط ، الوهم وتركيبة العقل المنطقي والعقل الفلسفي فيهم...كون كل أحكام الإنسان خاضعة لعقله المنطقي، والعقل المنطقي لدى "هؤلاء" تلاعبت به نرجسيتهم ، برمجتُه ، ووضعت فيه معتقدات هي محور الحقيقة التي يرتكز عليها عقلهم في إصدار الأحكام. وبالتالي يعتقدون أنهم على حق... دون أن يدركوا أنهم يعيشون أوهام نرجسيتهم في عقلهم ؟
والنرجسي لا يفكر بعقل ، تحكمه علاقة بتضخم الأنا عنده وبالغرور والتمركز حول الذات.. وهذا ما يجعل كل علاقاته هشة وعرضة للفشل، ولا يقدر على إصلاح الأمور عند حدوث المشكلات.. وهو حال هؤلاء.
و هو الحال في المدينة .. وقولك لهؤلاء أن يكونوا عاقلين هادئين عادلين كقولك لأحمق أن يكون عاقلا .. والاحمق طبعا يعتقد أنه العاقل الوحيد بين الناس.

- هكذا الحال في المدينة ...
كلّما ازداد الإنسان غباوة .. ازداد يقيناً بأنه أفضل من غيره في كل شيء.
- أصل الحكاية..
ما حملته لنا الاخبار وبعض المواقع والمنتديات في المدينة.
- آخر الحكاية..
" الأجدر أن تضئ شمعة بدل من أن تلعن الظلام ".
هكذا كان رد صديق لي حين سألته عن الوضع وعن... الحال من الأحوال.
و .. كل ما استقر الحال تظهر لنا احوال .