"في الاعتقال من أجل قبلة"


"في الاعتقال من أجل قبلة"
نص الحوار الذي أجرته معي جريدة "الأيام" ونشرته يوم 10 أكتوبر 2013 ، والمترجم إلى الفرنسية من طرف المجلة الإلكترونية "بانورما" يوم 14 أكتوبر.
عبد الصمد الديالمي

ما هو رأيكم في قضية اعتقال شاب وشابة بسبب قبلة ؟

أعتقد أن تدخل قوات الأمن في هذه القضية أمر طبيعي، لأن هناك فصلاً في القانون الجنائي يعتبر قيام شخص بتقبيل شخص آخر علانية إخلالا بالحياء العام، وبالتالي فإن المتابعة القانونية مسألة مشروعة، فضلا إذا اعتبر المسؤولون نشر تلك الصورة في موقع التواصل العالمي "الفايس بوك" بمثابة مس بسمعة المغرب كبلد إسلامي. هذا في اعتقادي المتواضع السبب الذي قد يكون دفع المسؤولين لتحريك الدعوى واعتقال القاصرين. وأنا طبعا من المنددين بتحريك هذه المسطرة، على اعتبار أن القبلة لم تعد ممارسة شاذة في المجتمع المغربي، وتدخل في مجال حقوق الإنسان، فمن الطبيعي أن يتمتع الفرد بممارسة حرياته الفردية. لكن هذا التنديد يدفعنا من جهة ثانية إلى مساءلة القانون الجنائي وبالضبط الفصل الذي استعمل في المتابعة، ويدفعنا أيضا إلى مساءلة معنى الحياء العام حتى لا يصبح ذريعة للوقوف في وجه الحريات الفردية، ويدفعنا للتدقيق في مفهوم النظام العام، والذي يتم تأويله حسب مزاج سياسي وديني وحتى إيديولوجي لمواجهة الحقوق والحريات الفردية، وبالتالي فإن المعركة هنا ليست ضد تدخل قوات الأمن التي حركت مسطرة قانونية موجودة، لكن المعركة الحقيقية هي ضد الفصل الذي اعتمدت عليه، ولذلك يجب أن نناضل من أجل حذف هذا الفصل وفصول أخرى تحد من الحريات الجنسيةوحريات أخرى، دينية مثلا

هذا الجواب يدفعنا للتساؤل ما إذا كانت هذه الحريات الفردية وضمنها الجنسية مضمونة في بلادنا؟

طبعا إنها غير مضمونة، وإذا قمنا باستطلاع للرأي سنجد أن الأغلبية من المجتمع ستقف في وجه قبلة الشاب والشابة، لأن هناك نزعة محافظة ترفض قولا مثل هذه الممارسات، على اعتبار وكما قلت قبل قليل، أنها تمس بالحياء العام والنظام العام، لكن هذه الأغلبية نفسها لها نفس الممارسات العاطفية أو الجنسية سلوكا.

ماذا تقصدون بالضبط؟

أقصد أن هناك طلاقا بين المعيار والسلوك، فالأول محافظ يكمن في رفض تلك الممارسة قولا، لكنه لا يرفضها على مستوى السلوك، ولذلك إذا كان المجتمع يرفض معيار تقبيل شاب لشابة، فإنه يمارس ذلك فعلا في الواقع اليومي، أي أنه سلوك أصبح مقبولا... من جهة ثانية، إذا كانت هناك أكثرية ترفض هذه الممارسة باسم معيار أبيسي، فإن هناك أقلية متنورة تنظر إليه من خلال معيار حقوقي حداثي وتقبل به على مستوى الفكرة وعلى مستوى الممارسة لأن خلفياتها الفكرية والإيديولوجية متنورة وتقدمية.

إذن، وباختصار هل هذه الحريات الفردية مضمونة في بلادنا؟

هنا يجب علينا العودة إلى روح الدستور الذي يقول أن الحريات الفردية مضمونة بموجب المواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، وأن هاته الأخيرة أسمى من القوانين الوطنية المحلية، وإنه إذا حدث تناقض بين المعاهدات الدولية والقوانين الوطنية، فإن الأسبقية تعطى للمواثيق الدولية، لكن الذي حدث في قضية القاصرين أن القانون الجنائي انتصر على حساب المعاهدات الدولية. إذن، انطلاقا من الدستور، يجب أن نلغي هذا الفصل الذي اعتمد في تحريك مسطرة الاعتقال.

هنا أيضا، يوجد طلاق بين الدستور والقانون الجنائي، الأول ينص على احترام الحريات الفردية، والثاني يمنعها، ولذلك يمكن القول إن الفصل المستعمل في هذه النازلة غير دستوري، وينبغي أن يصلح لكي يعانق المبادئ الدستورية الكبرى.

الموضوع أكبر من القبلة، ويندرج ضمن الحق في ممارسات جنسية أشمل، فالمجتمع لا يرفض القبلة بين غير المتزوجين فقط، بل يرفض العلاقات الجنسية قبل الزواج، ويعتبر كل ما هو جنسي قبل الزواج مجرما ومحرما، وهنا يطرح السؤال: لماذا نجعل من الزواج نظاما عاما ينبغي أن يخضع له الجميع؟

وما هو ردكم على هذا السؤال المعقد والشائك؟!

الذين يرفضون العلاقات الجنسية بشكل عام قبل الزواج يقولون بذلك من أجل الحفاظ على الأمن السلالي وعلى كل ما يترتب عنه من تمجيد للعفة ولغشاء البكارة ولفضائل الاستمساك الجنسي قبل الزواج، وهي الوسائل الوحيدة المتوفرة تقليديا لمنع الحمل، أي منع الشباب من الممارسات الجنسية قبل الزواج لكي لا يقع حمل يؤدي إلى اختلاط الأنساب. هذا تخوف مشروع كان مقبولا قبل عقود مضت، لكن الوسائل الوقائية اليوم تطورت بشكل كبير، وهي تقي من الحمل اللاإرادي،أي من اختلاط الأنساب، ومن الأمراض الجنسية المنقولة، ولذلك أقول وأؤكد أن منع الجنس قبل الزواج لم يعد اليوم مبررا.

لكن المجتمع المغربي المحافظ بالتأكيد لن يقبل بهذا المنطق؟

إنه مجتمع محافظ على مستوى القول كما ذكرت قبل قليل، أي على المستوى المعياري وعلى مستوى التمثلات للممارسات الجنسية والعاطفية، لكنه ليس كذلك على مستوى السلوك، ولذلك يمكن أن تجد أسرا تدفع بفتياتها إلى الشارع من أجل الاستبضاع الجنسي، كما يمكن أن تجد عددا من الأسر التي لا ترفض أن تلتقي فتياتها بأصدقائها من الجنس الآخر في نفس المنزل لمراجعة الدروس، أو للعب واللهو، فهذه الأمور أصبحت عادية وطبّع المجتمع معها، ولذلك أيضا أقول وأؤكد أن المجتمع ليس محافظا بتلك الصورة وبتلك الدرجة التي يريد البعض أن يصورها لنا، إنه مجتمع يتدافع من أجل قيم جديدة، ويتطور لتقبل قيم أخرى لم تكن مقبولة قبل خمسين سنة مثلا.

باختصار، القول إن المجتمع المغربي مجتمع محافظ قول إيديولوجي يخدم جهات محافظة لمنع التقدم إلى الأمام ولمواجهة والوقوف أمام تغير القوانين والنظام السياسي، هذه ليست إذن حجة، بل ادعاء باطل يخدم مصالح سياسية محافظة.

هل يمكن تأكيد هذه الخلاصة بناء على دراسة علمية؟

بالتأكيد، وأول دراسة أنجزتها سنة 1975 كانت حول المرأة والجنس في المغرب والتي نشرت في سنة 1985، ولقد أكدت من خلالها، وبكل وضوح، أن الفتاة في تلك الفترة كانت لها ممارسات جنسية قبل الزواج، كما كشفت عن فتيات رفضن الإمساك عن الجنس قبل الزواج، بل ومنهن من بحثن بكل الوسائل لتلبية الرغبات الجنسية في احترام لمنع الحمل في حالات معينة، وبدون انتباه لوقوع الحمل، في حالات أخرى.

ثم ما معنى وجود فتيات يبحثن عن غشاء بكارة اصطناعي؟ أليس هذا معناه وقوع ممارسات جنسية قبل فترة الزواج؟ بل ما معنى وجود أسر في البحث عن بكارات اصطناعية لفتياتهن قبل الزواج؟ وبالتالي فإن القول إن كل المجتمع المغربي محافظ هو قول منافق.

إذن كيف هي علاقة المغاربة بالجنس؟

المغرب اليوم يمر من مرحلة انتقال جنسي، معاييره الجنسية ماتزال تقليدية ودينية، أما سلوكاته الجنسية فتحررت من الدين إلى درجة كبيرة، هناك طلاق آخر بين المعايير الجنسية والسلوكات الجنسية، وبتعبير آخر فإن السلوك الجنسي يرفض البقاء في دائرة التحريم التي بدأت تتقلص تدريجيا، وهذا أمر طبيعي خاصة بالنسبة لمنظور تصاعدي وتقدمي يريد الذهاب بعيدا.

الجنس تاريخ، في البداية كان شبه حرّ ومتحرر، ثم أصبح محرما إلى درجة كبيرة، والآن بدأ يتحرر من مفهوم الحرام والتحريم، والمغرب كسائر المجتمعات يعرف ويعيش هذه الصيرورة، وهو تطور طبيعي لأنه لا يمكن اختزال الجنس فقط في مؤسسة الزواج، علما أن الجنس نفسه عاش مؤخرا مرحلة انفجار، ولم يعد باستطاعته الانحصار فقط في مؤسسة الزواج، وبالتالي فإن الشاذ في نظري هو وضع ترادف بين الجنس والزواج.

سنطرح السؤال بصورة مغايرة.

تفضل

تحليلكم سيقودنا مباشرة إلى المنطق الذي يعتبر ممارسة الجنس قبل الزواج، بما في ذلك التسامح مع القبل لدى الشباب القاصر، رذيلة، فما هو ردكم؟

هذه أخلاق أنتجها النظام الذكوري، الرذيلة والفحشاء والفاحشة تدافع عن مصلحة الرجل وسيادته وتفوقه، وليست أخلاقا محايدة، ينبغي أن نعيد النظر فيها، إنا أخلاق/وسيلة لضبط جنسيانية الفتاة والمرأة، الأخلاق الجنسية المحايدة مساواتية تبني على التراضي بين الشريكين في كل ما يتعلق بالجنس، قبل الزواج وأثناءه وخارجه. الجنس كرذيلة فكرة ذكورية بامتياز تحمي مصالح الرجل، الاقتصادية والجنسية.

طيب، ما هو تفسيركم لتنامي ظاهرة الاغتصاب وزنى المحارم؟

صحيح، ظهرت في الآونة الأخيرة كثير من الأخبار عن تنامي ظاهرة الاغتصاب وزنى المحارم، وقد تداولتها مختلف وسائل الإعلام، وكانت محط نقاش من طرف المجتمع، لكن هذه الأخبار المتواترة ليست إلا مؤشرا من مؤشرات عديدة تدل على أن المجتمع المغربي مريض وغير متحرر جنسيا، ويعيش حرمانا جنسيا هو الذي يؤدي إلى الاغتصاب وزنى المحارم، وهو أيضا ناتج عن غياب الحرية الجنسية، وعن غياب التربية جنسية، وباختصار شديد، ناتج عن غياب المواطنة الجنسية، عكس ما يحدث في الدول الغربية التي تتمتع بحرية وبمواطنة جنسية، ولذلك لا تعثر على حالات الاغتصاب وزنى المحارم مثل ما يحدث عندنا وعند دول أخرى تعيش القمع الجنسي، اجتماعيا وقانونيا.

هنا يعني أن مجتمعنا مكبوت جنسيا؟

بكل تأكيد، على الرغم من تواتر مظاهر خادعة عن وجود حرية جنسية، وفي الحقيقة هناك تعايش بين الكبت والحرية، وهو ما كان يظهر خلال سنوات القمع التي عملت بسياسة "دعه ينكح دعه يمر"، وهو ما أدى إلى ظهور نوع من الليبرالية الجنسية، علما أن هذه السياسة استعملت من أجل التخفيف من حدة القمع السياسي المسلط على المغاربة، بل وحتى دفعه لتقبل ذلك القمع من خلال فسح المجال لليبرالية جنسية، وهي التي أدت في مرحلة معينة إلى البغاء الجنسي، لكنها لم تستأصل جذور الكبت الجنسي الذي مايزال قائما حتى اليوم