إلى كل معطل..لا يجد في جيبه ما تحصي أنامله.. يعيش مرهقا.. ينتظر..و تختلط عليه الأوقات..


إلى كل معطل..لا يجد في جيبه ما تحصي أنامله.. يعيش مرهقا.. ينتظر..و تختلط عليه الأوقات..
 
محمد بوتخريط / هولندا .
 
حين لا يفهم المسئول سؤال المعطل حريٌّ بهما إذن تبادل الأدوار.
 
 
 
عناوين كثيرة متكررة اعتدناها.. تتصدرها صحفنا يوميا . 
منها ما تظهر بارزة بحجم الفرح  والإحتفال، وهي عناوين مختلفة ولا تنفع بشيء.. ومنها عناوين أخرى هي  كذلك تكون بارزة  - في حجمها - كعناوين الفرح ولكن هذه تكون بحجم الكارثة ، تحمل جراحات لأمسٍ بعيد لم تندمل بعد, وجراحات أخرى ليوم معاش لا تنتهي أبدا.   
هذا ما اعتدناه خلال سنوات كثيرة مضت ، وكنا كَما في كل مرة و فِي كل يوم نقول : "كلنا أمل في أن تكون الأمور في الغد على احسن ما يرام..."
عناوين، هي بطبيعة الحال (وهذا ما يجب أو يُفترض بنا أن ندركه) لن تؤدي في نهاية المطاف الى شيء !! 
 
تأملت مليا حال العناوين وحال الحال في بلادي .. توقفت حين قرأت عنوانا استوقفني كثيرا .. اعتصرني ألم  وأنا أعيد تصفحه. عنوان كان أكثر ما استوقفني في هذه الجولة الصباحية  "قوات الأمن تحاصر مسيرة معطلي الناظور" .
مرت الأيام و الأشهر والأعوام  وكان ، وما زال الحال هو الحال  لا زال المعطل كما "المعطل" ، مقهوراً، قلقاً، مسكوناً بالحزن،  لم يستطع بعد هضم المعادلة الصعبة ، العصية على الفهم : « أنهيت مشواري التعليمي ولا أعمل » .
لا زال حائرا  معوزا في المنازل والشوارع والمقاهي و المستشفيات وفي كل مكان .. داخل زقاق غارق في الظلام ... يستنجد. 
منهم كتاب وشعراء و فنانون  يهانون في حياتهم  وقد "يكرمون" بعد مماتهم .. في محاولة طمس الحقائق  وممارسة التدليس و اخفاء الواقع لتضليل الرأي العام .. علاقات تنهش الحياء و تدمر القيم ، و ترسخ الوقاحة وتهدم الأخلاق . 
مثلهم في ذلك مثل بعض فنانينا ...!!! "المساكين " ، الفقراء منهم والأغنياء (أقصد طبعا غنى الإنتاج ..)  فهم كذلك لا "يكرمون" الا بعد مماتهم !! تذكرت الأحياء منهم والأموات .. لا فرق فذكرى الوفاة تمر صامتة  باهتة ، في غياب أي اهتمام لا منا نحن الأشخاص ولا المؤسسات لحمل أسمائهم والاعتناء بتراثهم، مع أنه إبان حياتهم يملئون الدنيا ويشغلون الناس .
 
عدت لأتوقف مرة أخرى عند عناوين "المعطلون"... تذكرت عنوانا دغدغ مشاعري ذات خميس :"المعطلون يلقون رمزيا بـ 'نعش' الحكومة إلى البحر". )عنوان تناول وقتها مسيرة "تأبين حكومة (بنكيران)"، نظمها الطلبة المعطلون جابت أحياء وشوارع " المدينة"، شاركت فيها تنسيقيات ومجموعات الطلبة المعطلين، ليتم إلقاء "النعش" الرمزي إلى البحر، كخطوة رمزية لرفض السياسة التي يتبعها رئيس الحكومة(
طلبة.. يهانون ويقمعون في حياتهم الدراسية / الجامعية ...و"يعطلون"  بعد التخرج .. معطلون في كل أقاليم ومدن وقرى بلادي .. يناضلون .. يعتصمون.. ويضربون عن الطعام .. ثم يُضربون ويُقمعون ويُسجنون . بل  و"يُقتلون" في أحيان كثيرة  برصاصات  نظرات مجتمع لا يرحم ، يشوبها الإقصاء أو بالأحرى السادية المفرطة . وتزداد جراح المعاناة النفسية والاجتماعية الصعبة للمعطل ، عمقاًّ كُلما إزدادت تفاهة الأعذار، في وطن لا يعترف بأبناء قضوا زهرة شبابهم في الدراسة و التحصيل . يموتون كل يوم الف مرة وهم يجترون حيرتهم في عالم نسجه التيه والضياع في أزقة ومدن وعلى ارصفة الإنتظار . عنف وضرب وسجن واعتقال .. وكذب في تلفزيون الحكومة وأخواتها وفى صحفها..  وجرائدها..
تماطل وتسويف ممنهج تمارسه السلطات -المركزية منها والمحلية- في التعامل مع المطالب العادلة والمشروعة لمعطلي البلد في الشغل القار والعيش الكريم . 
 
ولكن رغم كل هذا وذاك… هم صامدون .. قابضون على  ما حلموا به , لم يتمكن احد من قتل الإرادة فيهم .. لا لشيء فقط لأنهم مؤمنون أن الإرادة لا تموت ولأن الإيمان لا ينكسر.
لا بد للأيادي أن تتشابك وذاك التضامن الغائب فينا ان يستيقض لنتقاسم معهم تلك الإرادة وذاك الإيمان كما تقاسمنا في وقت ما -وما زلنا- المعاناة معا وإن كانت اليوم تختلف. فنمو الشخصية يكمن في التخلص من الانفرادية والذاتية . والتلاحم  بالتالي مع الآخرين على قول  برد يايف:"إن اشر أنواع العبودية هي استعباد الإنسان لنفسه و تقوقعه في الأنا المغلقة ودورانه حول ذاته الميتة"
 
في هذا المكان وغيره يجب أن يتساوى الجميع.. لا مكان لمجتمع"الوجهيات" ولا الطبقات .. عليا و وسطى و دنيا .. 
و حتى لا تتكرر هذه الأعداد الهائلة من المعطلون .. أصحاب الشواهد والدبلومات المختلفة وقد أكلت من عمرهم "البطالة" الشيء الكثير، ونراهم يدفعون إلى حافة الإفلاس الاجتماعي رغم ما حصلوه، و رغم كل  الإنتظارات التي كانت مؤملة من خلال تعليمهم.. فعلى مسئولي هذا البلد الجميل بأهله أن يفهموا هذا جيدا.. فعندما لا يفهم المسئول سؤال المعطل حريٌّ بهما إذن تبادل الأدوار ..
إلى ذلك الحين..  لنترقب ذلك البريق القادم هناك من الأعماق السحيقة يشتد لمعاناً .. يومض .. و يحاول كشف الأسرار.
فليس هناك ما يخدش صمت الفجر سوى نباح كلاب بعيدة تريد لقمم الجبال أن تغادر أماكنها إلى الهاوية ، و تنحني.
فتحية لكل معطل، لا يجد في جيبه ما تحصي أنامله، يعيش مرهقا، ينتظر، و تختلط عليه الأوقات ..في ظل غياب تام لأية إرادة جادة لحل مشاكل  كل...المعطلين .  
 
آخر السطر الذي لم تشمله عناوين صحف اليوم :  
المعطل بمسيراته .. يعرب لكم يا كل مسؤولي هذا البلد عن تشبثه المستميت بحقه الذي هو أمانة في عنقكم  ولا مجال للتنازل عنه لأنه - وبكل شفافية وصراحة وصدق - مؤمن إيمانا راسخا بعدالة قضيته وبحتمية إنصافه .