“الحريك” و” الجنس” أمام محكمة الاستئناف بالناظور


“الحريك” و” الجنس” أمام محكمة الاستئناف بالناظور
إنجاز : محمد المرابطي (الناظور)

لا تخرج محكمة الاستئناف بالناظور عن قاعدة “الاختصاص”، بحكم موقع الناظور ومحيطها الإقليمي الجغرافي المطل على “حدود” الفضاء الأوربي، وهو الأمر الذي يجعل من المدينة تتنفس هواء “الحريك” سواء بأعداد المرشحين للهجرة غير الشرعية، الذين يؤثثون الأماكن العامة والميناء ومداخل قريتي بني أنصار وفرخانة وبوابة باريو تشينو، و للبحث عن وسائل التسلل لمليلية، أو البحث مؤقتا عن أية طريقة للعيش في انتظار الفرصة المناسبة لتحقيق الحلم، أو جحافل الراغبين في ركوب خطر أمواج المتوسط بكل الوسائل الممكنة والمتوفرة. وتتسلل فئة أخرى من الحالمين باقتناص فرصة أخرى، وهي “الاتجار بالبشر” أو تكوين عصابة بغاية النقل السري … هي حكايات قضايا تحفل بها قاعات محاكم الناظور، وفي الغالب تتجاذبها ردهات غرفة جنايات محكمة الاستئناف، مثل استدراج قاصرين أقل من ثماني عشرة سنة، ممن تشير القرائن إلى مسارات العبور نفسها نحو الضفة الأخرى من الحدود بوسائل أخطر، من بينها الاستغلال الجنسي.

شهدت غرفة الجنايات الابتدائية والاستئنافية، الأربعاء الماضي، عرض تسعين متهما شكلوا أطرافا أصيلة وفرعية في تسعة وأربعين ملفا للمناقشة والتداول أمام محكمة الاستئناف بالناظور. ونظرت المحكمة في ملفات اشتركت إحالاتها على عناصر مشتركة في تكييف المتابعات في مسارين، هما جناية الانضمام إلى عصابة واتفاق بهدف تنظيم وتسهيل خروج أشخاص مغاربة من التراب الوطني بصفة سرية، أو الانضمام إلى عصابة بهدف تنظيم وتسهيل خروج أشخاص أجانب من التراب الوطني بصفة سرية مع جنحة الارتشاء، وحيازة أدوات كالسيارات والزوارق والمحركات مع التحفظ في نتائج الفعل الجنائي والقصد منه، وهي جناية الاتجار بالبشر عن طريق استدراج قاصرين يقل سنهم عن ثماني عشرة سنة باستغلال حالة الضعف و الهشاشة بقصد الاستغلال الجنسي.

استغلال حاولت “الصباح” استقراء بعض خلفيات هذا النوع من الملفات، بتسليط الضوء عليها من وجهة نظر عدد من الفاعلين الجمعويين، الذين يشيرون بعيون التشكيك في خلفيات وأهداف الاتجار بالبشر باستغلال وضعيات القاصرين الراغبين في التسلل نحو التراب الاسباني، والذي تتكتم كل الجهات عن كشف خباياه لأسباب غير مفهومة، حتى أن جلسات القضاء وبالرغم من أسئلة هيأة المحكمة المتعددة والمتواصلة لتحديد جوانب وأبعاد التكييف المؤسس للأفعال الجنائية والغايات أو القصد الجنائي من وراء استغلال قاصر جنسيا أو الوعود التي يكون الضحايا قد تم التغرير بهم على أساسها، فإن المحكمة لم تكن تتوصل إلى الغايات نفسها وهي في بعض الحالات، مساعدة القاصرين على “الحريك”، باستغلال ما أسمته المحاضر القضائية حالات الهشاشة والضعف، والحال أن عددا من القاصرين قدموا من مدن بعيدة، وليس لهم بالناظور أو ما جاورها من منافذ الهجرة أي مأوى أو أقارب أو جهات يمكنهم اللجوء إليها، هروبا من أخطار الابتزاز.

فساد وفي سياق آخر وجدت هيأة استئنافية الناظور نفسها في جلسة الأربعاء الماضي، أمام أحد عشر ملفا يتعلق بالجنس سواء في الملفات نفسها المتعلقة بالاستغلال الجنسي للقاصرين كما في السابق، أو في تكييف آخر ذي خطورة اكبر، وهو جناية محاولة الاغتصاب أو التغرير بقاصر دون سن الثامنة عشر عاما باستعمال التهديد والتدليس وهتك عرضه باستعمال العنف، سواء أكان ذكرا أو أنثى باختلاف ظروف التشديد. ومن بين الملفات المعروضة يوجد ملف يتعلق بجنحة الفساد ارتقى للإدراج إلى ما هو جنائي، لأنه جاء مقترنا بجناية عدم إبلاغ السلطات بوقوع جناية والاتجار في المخدرات وتسهيل الخروج من التراب الوطني ومحاولة الارتشاء وحيازة بضاعة بدون سند،كما أن خطورة بعض جنايات الجنس جاءت مقرونة باقتحام مسكن بالقوة، مع حالات السكر، مما سيرفع بدون شك الأمر إلى ظرف التشديد. وتظل إكراهات مراقبة مداخل الحدود حاضرة بالطبع، سواء في محاولات وتسهيل الخروج من التراب الوطني،أو في محاولة الدخول إليه، وبالطبع فإن الأمر لا يتعلق بدخول البشر، بقدر ما يتعلق بقضية تدخل ضمن اختصاص الدائرة الجمركية كما في بعض أنواع المخدرات غير المعتادة كالكوكايين وكذا مواد أخرى، مما يمكن أن يكون موضوع نقل إلى داخل التراب المغربي، تحت مسؤولية الناقلين وكذا الوسائل المستعملة في نقله،إضافة إلى حضور أطراف أخرى، متدخلا في الدعوى كالجمارك وشركة التبغ، بالنسبة لبعض أنواع المخدرات.

تشابه الأحداث وجدت الهيأة القضائية بمحكمة الاستئناف بالناظور نفسها تواجه ستة عشر ملفا، وأغربها تشابه أحداثه وتكييفه وظروف نشوء أفعاله الجنائية، إذ كلها تتعلق بالسرقة الموصوفة المقرونة بظرفي الليل والكسر بالليل والتعدد والعنف والتهديد به و استعمال السلاح الظاهر والسكر العلني، وإخفاء شيء متحصل عليه من سرقة مرتبطة بجناية السرقة، وجناية تعدد السرقات الموصوفة المقرونة بظرف التشديد، يتحجج أصحابها بالفقر والبطالة وقلة ذات اليد والرغبة في “إعالة مريض” مما يتنافى مع ما يقتضيه القانون من زجر.

استثناء عرض على هيأة المحكمة ملفان شكلا الاستثناء، أولهما يتعلق بالقيام عمدا بعرقلة سير القطار عن طريق وضع شيء في الطريق يحول دون السير، وثانيهما صدر فيه حكم قضائي، ويتعلق باختطاف طفلة دون الخامسة عشر عاما وتركها في مكان خال، نتج عنه موتها مع نية إحداثه. وتعود وقائعه إلى يناير الماضي، عندما تم اختطاف طفلة تدعى إخلاص، وكانت الضحية البالغة من العمر ثلاث سنوات عثر على جثتها، من قبل رجال الدرك الملكي في الثاني والعشرين من يناير الماضي بإحدى غابات اقليم الدريوش، القريبة من منطقة منزل عائلتها بعد اختفائها بشكل غامض بدوار إكردوحن بجماعة أزلاف نواحي الدريوش، قبل العثور عليها جثة. وقضت هيأة الحكم في القضية المثيرة للرأي العام المحلي بالناظور، بإدانة الفاعل الرئيسي بالسجن بخمس وعشرين سنة، وقررت الغرفة الجنائية ذاتها الحكم بالبراءة في حق المتهم الثاني، لتسدل بذلك الستار على أطوار محاكمة المتهمين، التي انطلقت منتصف يوليوز الماضي.