الدكتور منير القادري..الخطاب الملكي اتسم بالجرأة والصراحة وسفينة الوطن يجب الحفاظ عليها


بمناسبة مشاركته في الليلة السابعة عشر الافتراضية، السبت 22 أغسطس (غشت) 2020، المنظمة من طرف مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية بشراكة مع مؤسسة الملتقى ومؤسسة الجمال، تناول الدكتور منير القادري بودشيش، مدير مؤسسة الملتقى ورئيس المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، في مداخلته موضوع “التصوف و التربية على قيم المواطنة الفاعلة والايجابية”.



أبرز في بداية مداخلته أهمية هذا الموضوع، الذي يروم مناقشة كيف يمكن للسلوك الصوفي أن يسير بالمريد عبر مقامات التربية الإحسانية والتجربة العرفانية وما تشتمل عليه من معاني التضامن والتكافل الاجتماعي، وحب الأوطان لتمده بمقومات المواطنة الصادقة والفاعلة، القادرة على أن تغير فيه الفكر والسلوك معا، فيكون سندا لبناء الوطن لا معول هدم له.

وذكر بأن حب الأوطان والحرص عليها من الإيمان وهو من الفطرة، وأنه فعل قلبي أخلاقي قبل أن يكون سلوكا اجتماعيا، مشيرا إلى أن السادة الصوفية لعبوا دورا بطوليا في مقاومة الاستعمار الأوروبي الذي تكالب على الأمة الإسلامية إبان القرن التاسع عشر، وأنهم ساهموا في تمنيع الهوية الثقافية للمجتمع الإسلامي.

وأوضح أن شيوخ الإسلام تأسيا بنهج خير الخلقﷺ عملوا على تعهد هذه الفطرة وهذه الخصلة الربانية وتربية أبناء المجتمع على القيم الوطنية و المواطنة الصادقة، وبين أن بناء صرح المجتمع الإنساني على أساس القيم الروحية والوطنية لا يقوم إلا في بيئة مبينة على التسامح والمحبة ونبل الأخلاق والعدالة والمساواة وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، موردا في هذا الصدد مقتطفا من الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في الدورة الوطنية الأولى للقاء سيدي شيكر “إننا على يقين أن الرصيد الحي، الذي ورثه كل المنتسبين إلى التصوف، يتضمن القدرة على الاستمرارية والتجديد في آن واحد، الاستمرارية في صيانة الثوابت، في العقيدة والمذهب، والولاء لإمارة المؤمنين، والتجديد في المبادرات والسلوكات التي جعلت من أبناء الزوايا وأتباعها، أبناء وقتهم، ونماذج في القدوة وفي المسارعة إلى النفع”.



وأضاف القادري أن ثوابت الهوية الدينية المغربية القائمة على العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني وإمارة المؤمنين الحاضنة والضامنة لها، جعلت حب الوطن وحب أرض المغرب وحب أمير المؤمنين الساهر على أمنه واستقراره وازدهاره متجذرا في الوجدان الروحي للمغاربة وسلوكهم الاجتماعي.

وأشار إلى أن تلاحم المغاربة مع العرش العلوي المجيد و مع أمير المؤمنين سبط النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، مكن من تجاوز جميع المراحل الصعبة التي اعترضت المغرب، كما تطرق في كلمته الى الخطاب لملكي السامي بمناسبة الذكرى السابعة والستين لثورة الملك والشعب، مشيرا إلى أنه اتسم بالجرأة والصراحة في تشخيص الأوضاع الصحية الراهنة للبلاد، وتقديم الحلول الواقعية والمنطقية للتعامل مع تحدي جائحة كوفيد 19، مذكرا بتنبيه جلالته الى أننا لم نكسب المعركة بعد ضد هذا الوباء، وأن الوضع الصحي أصبح مقلقا للغاية، بعد أن كان المغرب مضربا للمثل في حسن تدبير الجائحة، حيث سجل بعد رفع الحجر الصحي ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات بشكل غير منطقي مما يهدد لا قدر الله بانهيار المنظومة الصحية للبلاد، وأن خرق الإجراءات الوقائية والإحترازية يتنافى مع قيم المواطنة.

وأضاف أن جلالته بنبرة الأب الرحيم بشعبه و الغيور على وطنه حذر من السيناريو الصعب الذي يفرض العودة الى الحجر الصحي بتكلفة إقتصادية وصحية وإجتماعية ستكون قاسية، ونبه القادري الى أنه لا خيار أمامنا في ظل استمرار مخاطر الجائحة سوى الإلتزام المسؤول بالإجراءات الاحترازية والضوابط الوقائية المعلنة من طرف وزارتي الداخلية والصحة، انسجاما مع مبدأ “الوقاية خير من العلاج”.

وأشار إلى أن الأزمة الاستثنائية تتطلب مساهمة الجميع من المدرسة والمسجد والزوايا والاعلام والمجتمع المدني وكل الفاعلين في تأطير المواطنين وتوعيتهم بالمخاطر وحثهم على التعامل بشكل إيجابي مع التدابير الوقائية والإجراءات المتخذة، وشدد على أن الوطن سفينة نركبها معا وعلينا المحافظة عليها يدا في يد كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، مذكرا بالحديث الشريف، عن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- عن النبي ﷺ قال : “مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا” رواه البخاري.

وبين أن في كل مجتمع هناك فئة تخرق السفينة، من حيث تعلم أو لا تعلم، فإن أُخذ على يديها نجت ونجا المجتمع، وإن تركت تفعل ما تشاء غرقت وأغرقت المجتمع، وأوضح أن التربية الصوفية بأبعادها الروحية الإحسانية، يمكنها أن تساهم بشكل فعال في انخراط مع الجميع في التوعية و التحسيس بخطورة هذا الوباء، مشيرا إلى أن الطرق الصوفية المغربية عبر تاريخها العريق بمختلف مشاربها كالشاذلية والتيجانية والقادرية والدرقاوية وغيرها، تتوفر على رصيد أخلاقي زاخر بالكثير من القيم والأفكار، تؤهلها لتوعية المواطن بمصلحته الشخصية ومصلحة وطنه وتحسيسه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه دون تهويل أو تهوين والمساهمة في تنمية روح التكامل والتعاون الإيجابية، وبث الأمل واليقين التام في تجاوز هاذه المحنة إذا ما تم تظافر الجهود والأخد بالأسباب مجندين كل من موقعه خدمة للنظرة الاستشرافية لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله في التعامل مع هذه الجائحة.



وأكد أن الطريقة القادرية البودشيشية إيمانا منها بضرورة قيامها بواجبها الديني والوطني، ووعيا منها بكل ما تقتضيه المرحلة من حكمة و تبصر ويقظة، تحرص على أن يكون المريد على قدر كبير من الإلتزام بالمسؤولية ومراعاة حق الله وحق العباد في وطنهم، كي نتجاوز هذه المحنة بفضل الله ورعايته.