
: عبد الواحد الشامي
"إسقيني خمراً وقُل هي الخمر.. ولا تسقيني سرًّا في زمن الجهر.."، أبدأ مقالتي هذه بهذا البيت الشعري الذي أجهل حتى اسم الشاعر الذي أفرغه من قريحته.. ولكني سمعته من أحد الاصدقاء القدامى، من الذين بنوا حلمهم على حساب أحلام المهاجرين السريين.. المهم، أكره الاسرار منذ نشاتي، فقد كنت دائما احب المكاشفة والمصارحة ولا يعرف اي سر مدخل الى ذاتي.. وحتى اذا حدث وابتلعت سرا، يكون مصيره البوح لاقرب الناس وفي اقرب فرصة.. فأنا لست بحرا واسعا من الاسرار، ولا اصلح لاكون بئرا عميقا للمعلومات البالغة السرية.. !
ومن منطلق هذا المبدا الذي رسخ عندي، احس بحزن تجاه الذين يخفون الحقيقة، فما اكثر الذين يحتفضون بالاسرار بيننا.. مفعومون حتى التخمة بكثير من الحقائق التي يكون التستر عنها جريمة انسانية تُعاقب عليها القوانين الوضعية..
كنت أعيش أيامي عادية وما دون ذلك.. وذات ليلة من الليالي الموحشة، تلقيت مكالمة هافية من مجهول يخبرني فيها بأنه وراء اختطاف مجموعة من أعضاء المجلس البلدي للناضور.. ومن بينهم الرئيس "طارق يحيى" و يعلن مسؤولية جماعته عن الاختطاف. و لما سالته مذعورا كيف حدث هذا و لماذا، و.. و.. و..؟!! كان جوابه الشديد اللهجة يخبر بان علي التوسط بين جماعته وباقي أعضاء المجلس البلدي الاحرار، من اجل ابلاغهم ان حيوات الرهائن في أمن وسلام.. وانهم محتجزين عن جماعة تُدعى: "أنصار البيئة واعداء الحفر".. وسيكون وضع الرهائن في خطر اذا لم تُنفذ مطالبها في اقرب وقت، وعريضة المطالب التي تلوها على عبد ربه كانت على الشكل التالي:
- الإسراع في إعادة تزفيت جميع الشوارع المتآكلة بالناضور
- الاعتناء بالمدينة وجمالتها وتنظيف جنبات الازقة والشوارع بشكل يومي..
- الاهتمام بالمساحات الخضراء، واحداث منتزهات وحدائق نظيفة من شانها تلطيف الجو وحماية البيئة من التلوث
- تفريغ حاويات الازبال فور امتلائها بالنفايات، وعدم تركها تتخثر وتساهم في تلوث البيئة بالروائح النتنة..
- الاعتناء بالاحياء الهامشية للمدينة مثل بوعرورو، شعالة، براقة، ايكوناف،...
وعند استعراضه لائحة المطالب هذه، ههددني بالانتقام ان انا تجرات واقحمت فحوى مكالمته الهاتفية في عمودي بــ: "ناضور24" او افشيت سرهم لاحد غير المعنيين بالامر.. وقبل ان ينهي المكالمة، قال ان جماعته "انصار البيئة واعداء الحفر" تهدف الى تحقيق بيئة نظيفة وتدعو للاخضرار.. انقطع الخط، وتملكني احساس بالتوجس والرعب الشديدين بسبب المهمة الخطيرة التي كُلفتُ بها.. ولما علمت أن الخبر شاع بين الناس بعد ان نشرته الصحافة المكتوبة و بثته الفضائيات..وذُهل الجميع للحدث.. قصدت قصر البلدية من اجل التفاوض مع الاعضاء الناجون من الاختطاف، وجدتهم يقيمون احتفالا كرنفاليا مثيرا بمناسبة غياب الرئيس وحاشيته.. استغربت وشرحت لهم خلفيات ما حدث معي، كان جوابهم هو الاسترسال في الضحك والقهقهة بصوت عال كان الامر لا يهمهم.. !
وخرجت من هناك أكاد أُجن بسبب ما عشته من غرابة، حتى اعتقدت في لحظة من اللحظات ان الناس كلها تشاركني الحيرة والاستغراب.. ولما انتهت مهلة "الجماعة المُخْتَطِفَة" بدأ رنين الجرس يدق من جديد ليعلن لحظات الخطر لان سر الجماعة انفضح وكل شيء انكشف.. وانا المتهم الوحيد في كشف السر الخطير.. !
اطفات جرس المنبه الذي اعتاد ان يوقظني كل صباح للذهاب الى عملي.. وعندما بارح النوم مقلتاي واستعدت شيء من واقعية وضجيج الصباح.. اكتشفت ان حدث اختطاف اعضاء المجلس البلدي لم يكن سوى كابوس افزعني في نومي كما تفزعني جراح والام مدينتي كلما تاملت مشاهد الاغتصاب الذي تتعرض له يوميا من طرف بعض المسؤولين سامحهم الله.
في الحقيقة كان لمتابعتي للوضع العراقي ومجريات الاحداث على الميدان من خلال وكالات الانباء العالمية، وخاصة ما يتعلق بالاختطافات التي تتكرر بين صفوف رجال الصحافة والجنود الاجانب من طرف عناصر "المقاومة" العراقية... كان لكل هاته الاحداث "الدرامية" والمثيرة، وقع خاص على حالتي النفسية التي تاثرت الى درجة حلمي بهذه الكوابيس المزعجة.. والتي (والحق يقال) اذا تحققت، واصبحت ظاهرة اختطاف اعضاء مجلسنا البلدي الجديد/القديم واقعا محتوما، فانه علينا حمد الله وشكره، لان مدينة الناضور انذاك ستتغير بنسبة 180 درجة الى الافضل.. لان المواطنون سيفكرون في تشكيل العديد من الكتائب والجماعات التي تهدف مناصرة حق الانسان في بيئة نقية ونظيفة وشوارع بلا حفر او غبار..وبالتالي سيضطر "أشرار بلدية الناضور" إلى نهج سياسات اصلاحية مستعجلة من اجل النهوض بالمدينة في جميع المجالات..
فاللهم احفظنا من الاسرار وجنبنا خبث الاشرار..
Nador1912@hotmail.com