صديقي شكيب الخياري: ذلك الشاب الضاحك/الجاد في بلاد المخزن والغاشي


صديقي شكيب الخياري: ذلك الشاب الضاحك/الجاد في بلاد المخزن والغاشي
مصطفى حيران:


أتذكر أنني التقيتُ شكيب الخياري، لأول مرة، ذات يوم من سنة 2004، بمدينة الحسيمة، قدمه لي صديق مشترك باعتباره ناشطا مدنيا بالناظور، لم أعِرْ حينها كبير اهتمام للشاب الحليق الرأس على الطريقة "الطليانية" الضاحك أغلب الوقت. قُلتُ كلمة ترحيب بطريقة أقرب للآلية، تبادلنا رقمي هاتفينا وافترقنا.
مر عام على ذلك اللقاء، أو أكثر قليلا، حين وجدتني ذات صباح بارد، بمدينة الناظور قادما إليها من الرباط، وفي خضم انشغالي بتدبير مصادر متعددة، للموضوع الذي كُنت أشتغل عليه هناك، تذكرتُ ذلك الشاب الناظوري الضاحك، الذي التقيته في الحسيمة قبل عام، فعلا جاءني صوته عبر الهاتف مُفعما حيوية: أهلا سي حيران.. فهمتُ أنه احتفظ برقمي في "ريبيرطوار" هاتفه، وتلك سمة جد وذكاء.. التحق بي في مقهى بمحطة الحافلات الضاجة، ذكرتُ له الموضوع الذي جاء بي فانبرى مُقترحا مُبادرات واتصالات، والأهم أفكارا ومعطيات مرجعية في غاية الأهمية، اكتشفتُ أن الشاب الناظوري المُبتسم وكالة مُعطيات وأخبار جيدة، رهن إشارة الصحافي الباحث عن سبل إغناء مفكرته ومواضيعه المرتبطة بالشمال وبمدينة الناظور بالأخص. الأكثر من ذلك أن ثقافته التاريخية والسياسية، تنم عن حس التقاط نادر بين أترابه، وقدرة على التحليل مثيرة للانتباه.

صحيح.. ارتبطت صداقتنا منذئذ، بالجدوى المِهنية، أي بين الصحافي ومصدره، غير أنه كان ثمة تلازما في التطلع إلى مُجتمع وبلد أفضل يؤطر تلك العلاقة، مما جعل لقاءاتنا، على قلتها، لبُعد الشقة المكانية بيننا، تكون مُناسبة أثيرة لتطارح كثير من الأفكار، التي تُغذيها قراءاتنا وتجربتينا في الحياة، وكُنتُ أجد شكيب دائما معينا لا ينضب من الأفكار المُبتكرة، والالتفاتات الذكية، وهو ما كان يزيد من اندهاشي بالنظر إلى حداثة سنه (لم يكن حينها يتجاوز عمره العقد الثالث أو أقل) وكان من ثمرات تلك العلاقة المِهنية أنني أحرزتُ سبقا مِهنيا في موضوع "زودياكَات" الحشيش التي كانت تعبر بحيرة "مارتشيكا" تحت حراسة أعين السلطات الأمنية بمختلف انواعها، معززا - أي السبق المِهني- بصور حية لم يسبق نشرها حينها (يونيو 2005) وهو الموضوع الذي عاد إلى اعمدة الصحافة عاما، أو يزيد عن ذلك، وبينما لم يتذكر أحد الملف الذي كنتُ قد نشرتُه في الموضوع، بجريدة الأسبوعية الجديدة، قبل عام، انبرى صديقي شكيب الخياري إلى تذكير الصحافيين "المُتناسين" بمرجعيات موضوعهم، حيث ذكر في حوار له مع أسبوعية "البيضاوي" (الوطن الآن) بالعمل الذي أنجزته عن "زودياكَات" بحيرة "مارتشيكا" وتلك واحدة من الالتماعات الذكية الحصيفة، التي حسبتُها للشاب الضاحك المُنطوي على ذكاء جاد.

توالت شهور وسنوات قليلة تكثف خلالها النشاط المدني والحقوقي لصديقي شكيب، حتى أصبح علامة لا يُمكن تجاهلها في كل حديث عن واقع مدينة الناظور المدني والحقوقي، و"بيت القصيد" المحلي وأعني به تجارة الحشيش، ونظرا لحساسية الموضوع، باعتباره قطب رحى في كل خطاب مُرتبط بالمنطقة، فقد كان مُحتما أن يُصبح شكيب الخياري، مرجعا لكل الصحافيين المحليين الجادين (بل وحتى غير الجادين مِمَن كانوا يُقدمون عنه التوابل في مطبخ الأجهزة السرية) ولممثلي وسائل الإعلام الدولية.. ولأن شكيب لم يكن "يمضغ" كلماته وأفكاره فقد أصبح مُزعجا لنواة المخزن في العاصمة، كيف لا وتجارة الحشيش صنعت أساسا ماليا للنظام المخزني (على سبيل المثال فإن عائدات الحشيش كانت تُذر حينها على عمالة الناظور وحدها أزيد من 700 ملايين سنتيم في الأسبوع).. وهو "مربط الفرس" الذي لم يكن مسموحا لا لشكيب أو غيره بتجاوزه، بل كان لِزاما عليه أن "يستفتي" فقهاء المخزن الأمنيين والسياسيين، حتى يعرف إلى أي حد يُمكنه أن يمد رجليه في لِحاف المخزن المحلي في بعده الوطني.. هل أغفل شكيب هذه المُعطاة الحساسة؟ أُجيب عن معرفة بالشخص: لقد كان يعرف بالتحديد الألغام المزروعة في الحقل الذي كان يتحرك فيه، لِذا فضَّل أن يذهب حتى آخر المطاف. فكانت التُّهم المُلفقة، والحكم بالسجن.

واليوم يكون صديقي شكيب قد قضى أكثر من نصف المُدة المحكوم عليه بها، منقولا ما بين سجني "عكاشة" و السجن المدني بتازة، وما زال أمامه عام ونصف بالتمام والكمال.. وهي مُدة ستمضي كما عهد منذ سجنه في صمت شبه تام، من طرف الجميع تقريبا، اللهم من بعض "الشوشرة" الطفيفة (شأن هذا المقال).. ستمضي مُعمَّدة بواقع السجن بلحظاته الرصاصية الثقيلة، والأمل كل الأمل ألا يمنح شكيب لسجانيه "فرصة" الضحك على قلعة مدنية صلبة شيدها شكيب الخياري بإصرار وصمت نادرين.
وإذا كانت بعض الأدبيات السياسية الكلاسيكية، درجت على ترديد هذه المقولة في مقامات مُعينة شائعة وهي: "إن للنصر آباء كثيرون أما الهزيمة فيتيمة" ففي حالة صديقي شكيب فإنها انقلبت لتُصبح لحد الآن (أي ما دام شكيب رهن محبسه القسري) هكذا:"النصر في بلد المخزن والغاشي، بلا أب أما الهزيمة فآباؤها وأبناؤها كثيرون كالذباب"..