صناعة نجم أم صناعة وهم؟


صناعة نجم أم صناعة وهم؟




برامج صناعة "النجوم"
صناعة نجم أم صناعة وهم؟

إيمان الياقوتي- عضوة بمجلس القيادات الشابة بالدار البيضاء.

عاينا مؤخرا و بشكل ملفت للانتباه العدد المهول لبرامج الواقع التي اكتسحت شاشاتنا العربية و الوطنية، تزايد في الكم و النوع تزامن مع إقبال شديد عليها و تعدد ملحوظ في الفئات العمرية لمتتبعيها. نسب عالية للمشاهدة لم تكن تعرف الشاشات العربية سبيلا للوصول إليها. وقد أكدت دراسة أجريت من قبل نادي دبي للصحافة أن احد هذه البرامج، وهو برنامج يهتم باكتشاف المواهب الغنائية، بلغت نسبة مشاهدته أعلى النسب الممكنة مقارنة مع برامج عربية أخرى ذات طابع سياسي أو ترفيهي أو حواري؛ و لوحظ أيضا أن التتبع السنوي لهذا النوع من البرامج قد أصبح عادة و ضرورة للمشاهد العربي بصفة عامة و المغربي بصفة خاصة. صار المتلقي وفيا له وعلى علم تام بالتعاقب وكذا التسلسل الزمني لكل برنامج، حيث فضل المسؤولون عن هذه القنوات عدم بث برنامجين بصفة موازية علهم يحتكرون أو يكسبون بذلك الشعوب العربية كلها في أن واحد وطلية أيام السنة.
وانطلاقا من الملاحظ ، التجأنا إلى تحليل الجوانب الخفية للتأثير النفسي لهذا النوع من البرامج و كذا أثارها الاجتماعية على الشباب و المجتمع المغربي. يزعم المسؤولون عن هذه النوعية من البرامج أن الغاية هي تقديم الدعم للشباب و إظهار مواهبه عن طريق ما يسمى بصناعة النجوم و تحقيق الأحلام. و صار شعارها الأول هو مرافقة الشباب إلى طريق النجومية و إبراز طاقاتهم الدفينة للمتلقي. إلا أن هدف الربح المادي و الاستثماري وراء إنتاج هذا النوع من البرامج يبقى دائما طي الكتمان. رسائل SMS و المكالمات الباهظة الثمن للتصويت للمشارك المفضل هي أكبر دليل على ذلك، ناهيك عن العقود الاحتكارية التي تحد من حرية الشاب "الفائز" لاحقا و التي قد تكون في بعض الأحيان ماسة بكرامته و حرية اختياراته و خصوصا بإبداعه و تألق موهبته التي كانت في الأصل سبب وصوله لمراحل متقدمة من "اللعبة".
الأهم من ذلك هو حصر الموهبة في قالب محدد ليس له ثان، فالموهوب الناجح صار له اسم وشكل ولون و مقياس محدد، سطرته البرامج بتزكية من المتلقي الذي أكد بدوره على معايير محددة ليس من الممكن مناقشتها أو تغيرها. و ما يزيد الطين بلة هو تقديم الموهبة المشاركة لمجموعة من التنازلات على رأسها السماح للبرنامج بالتدخل في خصوصياتها سواء خلال تواجدها بالبرنامج أو بعد فوزها، ويبقى السبب وراء ذلك هو جذب المتلقي و أثارة فضوله حتى ينفعل أكثر مع مجريات البرنامج و يتهافت على المثابرة في دعم نجمه المفضل.
وقد تبلغ قوة التأثير على الشباب إلى أقصى الحدود، فكثيرا ما نعاين حالات التضحية بالعمل أو الدراسة قصد السعي وراء الحلم الذهبي و المشاركة في برامج اكتشاف النجوم. و كم هو كبير عدد الشباب الذي وقع في فخ البحث عن النجومية لكن سرعان ما اكتشف أن سعيه كان وراء وهم مزيف لن يجني من ورائه إلا خيبة الأمل وتكسير للطموح. و نضيف إلى ذلك اتخاذ بعض الشباب هؤلاء "النجوم" قدوة لهم، ظنا منهم أنهم استطاعوا تحقيق كل أحلامهم وبذلك وجب عليهم أن يحذوا حذوهم و أصبح تأثيرهم على الشباب أمرا حتميا لا يمكن الهروب منه بسهولة، إذ لم تعد هذه البرامج تقتصر على الترفيه فقط بل أصبحت تبث أحلام الشباب على الهواء و تجعل لها قالبا محددا و صعب التكسير حيث أن فقدان الشعور بفرادة الذات يحد كثيرا من قدرات الشباب، مما ينعكس على المجتمع.
وبالتالي فهذا الموضوع يجب أن يكون مطروحا للنقاش من طرف الجميع وعلى مختلف المستويات، أي الحكومة و المجتمع المدني و خصوصا على مستوى الفضاءات التي تعمل على تأطير الشباب. فاتحاد الجهود من طرف كافة الجهات المعنية لتوعية الشباب و احتوائهم هو السبيل الوحيد للحد من التأثير السلبي لهذا النوع من البرامج وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مواهب و طاقات شبابنا العربي عامة و المغربي خاصة.