محام مغربي: خطاب العرش ينذر بمتابعة مسؤولين بجناية "الخيانة"


محام مغربي: خطاب العرش ينذر بمتابعة مسؤولين بجناية "الخيانة"
صبري الحو*
الاثنين 31 يوليوز 2017 - 04:05
أقر الملك بعدم بلوغ المغرب أهداف التنمية البشرية مع التأكيد على وجود إخلال في بعض القطاعات بسبب تدني الخدمات الاجتماعية، ويشكل ذلك مفارقة وصفها بـ"الصارخة" و"المخجلة" و"غير المشرفة" عند مقارنة الخطاب لمستوى التقدم الذي يعرفه المغرب، والذي بوأه دولة صاعدة وتواضع بعض المناطق التي تفتقر لجل المرافق والخدمات الصحية والتعليمية والثقافية ولفرص الشغل.

الخطاب والسياسة البنيوية لنماء مناطق على حساب تهميش أخرى

وبالموازاة مع هذا الإقرار فإن الخطاب ينفي وجود سياسة بنيوية وممنهجة لتهميش بعض المناطق والجهات، بل يرجعه إلى محدودية إمكانيات المغرب، وعدم كفاءة الموظفين الإداريين من صنف المسؤولين، وصراع الساسة، والاستهتار بالغاية في خدمة المواطن وتجاوز الأحزاب السياسية لحدود الوطنية أثناء المنافسة فيما بينها لدعم مركزها الانتخابي وتعزيزه أو الحفاظ عليه.

غير أن العامل الأساسي في الحركة الاقتصادية النشيطة ومستوى وسرعة النمو التي تعرفها بعض الجهات، والتي تنتمي إلى حسب التقسيم الاستعماري إلى مناطق "المغرب النافع" يعزى حسب الخطاب إلى دور ونجاعة القطاع الخاص، وينفي وجود سياسات عمومية تعطي هذا التقدم والامتياز.

المرجعية الدستورية لتدخلات الملك المباشرة لسد الذرائع وملء الفراغ

وفي إطار إعطاء الملك تبريرا لتدخلاته المباشرة تفاعلا مع طلبات المواطنين، فقد أشار إلى أن ذلك يتم استجابة لتظلمات المواطنين الذين أهملت المؤسسات والمسؤولون رعاية مصالحهم، وتجد سندها القانوني فيما يمنحه الدستور للملك من صلاحياته واختصاصات في صيانة حقوق وحريات المواطنين، واحترام النهج الديمقراطي.

وأرجع الملك فشل آليات الوساطة وتدخلاته المباشرة ملأً لفراغ عدم تفعيل الموظف الإداري والمنتدب الانتخابي لمسؤولياتهما وتلكؤهما عن أداء واجب خدمة المواطن بسبب عدم تغيير العقليات وغياب حس الضمير.

وفي إطار إحجام المسؤول الإداري والنيابي عن تفعيل مسؤولياته وواجباته وصلاحية في تدبير الشأن المحلي، أكد الملك أن ذلك الامتناع ليس مجرد مخالفة يمكن التغاضي عنها بالنظر إلى ما نجم عنها من أضرار بمصالح المواطنين ومساس بحقوقهم، ومخاطر محدقة باستقرار الوطن.

فذلك الفعل تبعا لما ورد في الخطاب ينطوي على جناية الخيانة، تستوجب تفعيل مقتضيات الدستور الذي يربط في فصله الثاني المسؤولية بالمحاسبة، ويوحي ذلك باحتمال أكيد بإثارة المتابعات في مواجهة مجموعة من المسؤولين.

ولا شك من ارتباط ذلك بالتحقيقات التي تباشرها المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية والمفتشية العامة للمالية بتكليف من الملك، ولا مراء أن ذلك التصريح يعتبر تعبيرا ضمنيا عن أفعال خطيرة في إطار الرعونة والإهمال أو أفعال جرمية اطلعت عليها تلك اللجان وعاينتها، وستكشفت عنها في تقاريرها، وقد تحال على القضاء لمباشرة التحقيقات حولها، لأنها أعمال تكيف بالخيانة.

إذ أن مضمون خطاب الملك لا يمكن أن يستند على فراغ اعتباطي، بل بناء على ما قد يكون وصل إلى علم جلالته في إطار مواكبته لأعمال تحقيق اللجنتين من معطيات. ويؤيد هذا الاتجاه وصف الملك ما وصل إليه صراع الأحزاب السياسية وتصفية حساباتها إلى حد الإضرار بحقوق المواطنين عن "قصد وسبق إصرار".

نفي الملك وجود خلاف بين أجهزة السلطة والدفاع عن تطابق توجهاتها

وقد شكل الخطاب منبرا للملك حيث تولى الرد والجواب بالنفي على ما تداولته النخب مؤخرا وتناولته وسائل الإعلام حول فرضية وجود صراع داخل أجهزة سلطة الدولة وحول محيط الملك في إشارة إلى كيفية المقاربة الواجب التعاطي والتعامل بمقتضاها مع حراك الريف، بين احتمال وجود تيارين ندين ومتناقضين حول نوع وطبيعة الإجراء الذي يمكن من ارجاع الأمور إلى حالة الهدوء، وأكد الملك أنها تشتغل في تناغم تام.

كما ينفي خطاب العرش اعتماد سلطة الدولة للمقاربة الأمنية، ويصف الحالة أنها تنضوي حول تطبيق وإنفاذ القانون، وأداء قوات الأمن لواجب السهر على إنفاد القانون لخدمة الهدف والغاية في حماية أمن المواطنين وممتلكاتهم، ووصف الخطاب من ينتقد سلوك وتصرفات ودور رجال الأمن بالعدميين.

على سبيل الختم

قد يكون الخطاب عرج على العلل والأمراض التي يشكو منها المواطن المغربي من الإدارة، والمسؤولين الإداريين والنيابيين، وقدم الحل بحثها الأخيرين على المبادرة تحت طائلة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فهل يكفي ذلك لغسل عقليات تطبعت مع الكسل والتواكل واستأنست مع الفساد؟!

كما وقف الخطاب عند وصف للفرق الشاسع الذي تعرف جهات المغرب، بين النافع وغير النافع، وهي الهوة التي للأسف كانت قائمة وجلية من ذي قبل، دون أن تكون هاجسا لتقليصه والسيطرة عليه أثناء إعداد التقسيم الجديد للجهات والتي تكرس هذه الفوارق وتزيد منها.

كما أن الملك وقف عند نظرة المواطنين للساسة والأحزاب السياسية، وهي طبقة رغم ما قيل عنها فهي تستند على شرعية تأييد إرادة بعض المواطنين داخل هياكل أحزابها، وتشتكي بدورها من محدودية مجال عملها ومحاصرتها.

ويبقى فحص الحالة يحتاج إلى وصف للدواء من أجل العلاج الناجع، واسترجاع الجسم كاملا لعافيته، وهو أمر بحاجة إلى حوار وطني شامل حول دور الأحزاب السياسية، ودور سلطة الوصاية في عملها بعمل المسؤولين النيابيين، ودر القطاعات الوزارية ومصالحها الخارجية في عملية التنمية.

*محام في مكناس وخبير في القانون الدولي وقضايا الهجرة