الشاعر الريفي أحمد الصادقي ... هذا المأسور بهموم الكادحين وتجليات القصيدة ..


الشاعر الريفي أحمد الصادقي ... هذا المأسور بهموم الكادحين وتجليات القصيدة ..
محمد بوتخريط . هولندا.

صورالريف وعبق التاريخ في مخيلتي ، عادت تقفز أمامي ساخنة حية وهو يُعيد على مسامعي حكاية "زيان إيخبشان خ إيزوران" {زيان الناقب عن الجذور ..}" عبر شريط بعُمر يناهز عُمري ..
فلا باس لي ان اعيد الحكاية هنا من جديد .. لأن ضيفي لا يشه كل الضيوف ...

لا زلت أتذكر...
ذات مساء ، في مدينة أوتريخت الهولندية خلال برنامج أو لنقل حلم كنا قد حلمناه ولم يتحقق ..
حلم كنا كلما إقتربنا من تحقيقه ابتعد إلى البعيد ، ليتهاوى أمام تعنت و إصرار "أصاحبه" على حبسه في مهده .
في ذات المساء .. التقينا..
لا زلت أتذكر وأنا أحاوره .. قامة فنية نوعية ، وجدتني ملزما بالاعتراف بضآلة معاني " الكلمات" في كتاباتي .. أمام جمالية " الحروف والكلمات" عنده.
آثرت حينذاك أن أسافر معه صوب انشغالات "الكلمة الصادقة" وما يوازيها من أسئلة ظلت تتناسل في مخيال الشاعر الأمازيغي لنثرها في المدى المفتوح على الجرح الهوياتي الريفي .
على لسانه تلمس حسرة ومرارة وهو يتحدث عن مرارة الوضع والعوامل التي تعيق إخراج إبداعاته إلى النور "إن كنتَ تكتب بلغة أخرى غير الأمازيغية ..لسهل إخراج إبداعاتك إلى النور .." قال ذات المساء.
حدثني عن كم هائل من المبدعين الأمازيغ الذين لا زالوا يعيشون في الظل .. ينتظرون فرصتهم أمام لعنة الغياب…ليبقى الأمل علامات يعلق عليها المبدع آخر وصاياه.

ولا زال ضيفي كما في ذات المساء ... لا يشبه غيره ولا يتشبه بأحد .
هو في معركة دائمة من أجل إثبات الذات . إصرار دائم وتعنت كبير يتدفق من ذات مبدع تأصلت في أحضانه تربة أمازيغية ريفية ، تعلم من عبقها أن الفن الجميل المنبعث من الأعماق رسالة نبيلة ، لا تموت . كما لغته لاتموت ولا تحب العتمة...
" الى متى هذا الظلام..الى متى سيُهان لساني..
خذوا أحرفكم معكم وكفى... لغطا.
خذوا حبركم الأسود..
لم اعد أحتمل الظلام.
دعنا نسجل ...
دعنا ننشد أغاني "إيزران"
لننقل كلماتنا الى الذين يحتقرون لساني..
دعنا نسجل ... دعنا نسجل ."
هكذا عبر المأسور باللغة وكتَب بلسان أمازيغي .. قح ، في الوقت الذي عرف فيه الشعرأشكالا وأنواعا مختلفة مما أوحت به طبيعة الأيام والأشياء .. اخذ البعض يناجي الطبيعة ويتأمل اخضرار البساتين بأزهارها وورودها تارة ويصورها أخرى ، والبعض الآخر استهوته قبلات رومانسية ساخنة في حكايات العشاق على عتبات ابواب المدارس .
سلك هو مسارا آخر ... بعد ان استهواه همَّ البسطاء وهم الهوية .. والأرض والتاريخ... وهم المهاجر الذي قاسمه هموم وجراحات من ذاكرة البلاد المؤلمة ...
" ما الذي دفعك لقطع البحار ..
كنتَ عصفورا حرا طليقا .
تحلق من غصن الى غصن..
أصبحتَ اليوم سجين قفص من زجاج . "

ولكن ، مالذي يجعل "الهجرة" اهون وقعا، سوى الامان والعيش بسلام .!!
آمن أن الشاعر وإن كان ليس مجبرا في بعض الأحيان على تقويم شعره فمن الواجب عليه قول الحقيقة حين يتعلق الأمر بالشعور بالمسؤولية ...
شغفه الشعر منذ زمن ، تسلل الإزري إلى اهتماماته ومواهبه الإبداعية المختلفة... فكتب هو الآخر وعبر وأشعر و ... أبدع .
إسمه برز في ساحة الشعر الأمازيغي منذ زمن ، تنقل خلاله بين أماكن كثيرة داخل وخارج الوطن.. .أسلوبه لا يشبه أي أسلوب ، صوت مميز لا يشبه كل الأصوات ... باختصار شاعر لا يشبه غيره ولا يتشبه بأحد .

هو الشاعر أحمد الصادقي او كما اسمه محفور في ذاكرتنا :" مولاي احمد " .
شاعر يسبح عكس التيار او ربما ان التيار هو من يسبح عكسه فلا فرق طالما انه استطاع فرض اسلوبه الخاص في التعبير والحكي ..
يكتب ويحكي بلسان حال الإنسان البسيط الذي يحب ان يعرف ويعلم ويدرك الأشياء كما هي وبدون " مساحيق".
جريئ ، صريح ، قادر ، وعفوي .. والاهم انه كما اسمه يدل .. صادق مع نفسه ومع من يكتب لهم ..
ينبش في خفايا التاريخ لكشف "المغالطات" التي وسمته ، يلتقط بعض "الأحداث" التي تطفو بين الفينة والأخرى بنوع من الوصف الهادئ .
يعانق تفاصيل الأمكنة والناس والتاريخ ، بنوع من إعادة اكتشاف الذات فيها، في افق إعادة المكانة التاريخيّة لأحداث مرت.
و بين الوعي الزائف واستعادة الذاكرة الجماعية الحقيقية ..يقدم لنا معطيات جوابية عن كل الأسئلة الآنية.. أسئلة عن نبش التاريخ وإعادة قراءته بتعمق كما ( زيان) الناقب عن الجذور ..الباحث عن " أصله " والتاريخ ليزيل "المغالطات " التي تشوبه...باحثا عن حقوق الهامش والمهمشين ..ينبش فى قاع التاريخ ليُعرِّف العالم من هو الريف .. يغوص فى كتب التاريخ وحكايات الأمجاد ليعرف العالم من هو "مولاي موحند".. وأنوال و أدهار أباران ...
"عبدالكريم .. يابني .
هو شقائق النعمان ...ازهرت في قلوب الناس ..
عبدالكريم .. يابني .
هو ضوء القمر وسط النجوم اللامعةَ.
عبدالكريم .. يابني . ينبوع الماء الصافي من تربة الارض الخصبة..
يشربه العجزة والشباب و ... "العبيد".
عبدالكريم .. يابني .
كان "الفقيه" ... ونحن طلابه..
علمنا الطريق والإصرار على مواصلته الى حياة أفضل ."

إنه فعلا .. فنان من طراز ريفي خاص...
مأسور بالريف حتى النخاع .. كلماته عانقتها نجاحات باهرة اعترف بها الآخر قبلنا.
آه ... كم نحن بلداء ...لأننا لا نعرف كيف نكون أوفياء مع مبدعينا..!

ضيفي وضيفكم اليوم هو من مواليد 1959 بالحسيمة وبالضبط بين أحضان جبال الريف بقبيلة بني بوعياش ،
تلقى تعليمه الإبتدائي بمسقط رأسه، وتابع دراسته الثانوية بثانوية الباديسي بمدينة الحسيمة، ومن جامعة محمد بن عبد الله بمدينة فاس حصل سنة 1980 على الإجازة في العلوم السياسية ...له إهتمامات متعددة تجمع بين كتابة الشعر الأمازيغي والمسرح ومهتم بالقضايا الفكرية ، وبالتراث الأمازيغي…شارك في العديد من اللقاءات الشعرية والمهرجانات الفنية و الثقافية باروبا، إضافة إلى عدة لقاءات أخرى ...
في سنة 1997 صدر له أول ديوان شعري باللغة الأمازيغية ومترجم الى الهولندية "صراخ الأرض""Re3yad n tmurth “ وله ديوان قيد الترجمة "عمق الحياة " .”Radjagh n thudath” .
هي دواوين تمد جسور حوار وتواصل معه والناس .
ضيفي ... وضيفكم اليوم ورغم كل هذه الأشواط فهو يقول دائما انه لا زال يتهجّى أبجديات ... الكلمات .
فعلا .. فنان من طراز ريفي خاص .
مأسور بهموم الريف والكادحين وتجليات القصيدة .


الشاعر الريفي أحمد الصادقي ... هذا المأسور بهموم الكادحين وتجليات القصيدة ..