حوار مع المنسق العام للحركة من أجل الحكم الذاتي للريف


حوار مع المنسق العام للحركة من أجل الحكم الذاتي للريف


يرى الأستاذ كريم مصلوح، رئيس جمعية ثاويزا للثقافة والتنمية بسلوان والمنسق العام للحركة من أجل الحكم الذاتي للريف، أن الأمازيغيون غير معنيين بالمخططات التي تطبخ بالمركز، وبأنه لا مفر من منح حكم ذاتي لمنطقة الريف ولغيرها من المناطق.
حاوره:محمد زاهد

* عملتم مؤخرا على إعادة تجديد مكتب جمعية ثاويزا كإطار جمعوي أمازيغي وذلك بعدما رفضت السلطات تمتيعكم بالترخيص القانوني،ما هي القيمة المضافة التي يمكن لهذا الإطار أن يقدمها للحركة الأمازيغية في هذه المرحلة ؟

بداية أشكرك على هذا الحوار، نحن نسعى من خلال هذا الإطار إلى المساهمة في الفعل النضالي بالريف ومن جانب آخر، فان العمل الجمعوي مازال فعلا أساسيا داخل الحركة الامازيغية، وهذا يظهر من خلال الجمعيات التي تتأسس، كما أن بروز بعض الأشكال التنظيمية ذات الطابع السياسي مثل الحزب، لا يمنع من تقوية نسيج الجمعيات الامازيغية، بل إن جانب مهم من الامازيغيين لم يقتنعوا بعد بالفعل الحزبي وهذه مسألة أخرى .

* ما هي أهم الأهداف التي تسعون الى تحقيقها من وراء هذا الاطار ؟

كما أشرت نحن نسعى للمساهمة في النضال بالريف وكذا الاشتغال مع المواطن المحلي من أجل الأمازيغية ومن أجل مختلف القضايا التي تهمه والمتعلقة بالتنمية، وهنا لابد أن أشير إلى أن القناة الجمعوية لم تستطع تكسير الحواجز الموجودة بين النخب الأمازيغية والقواعد الاجتماعية، وهذا يطرح البحث عن قـنوات أكثر فاعلية و متعددة .

* كيف ترى راهن الحركة الأمازيغية بالمغرب،على ضوء المعطيات والتطورات التي يشهدها ملف الامازيغية ؟

يظهر أن الحركة الأمازيغية غير قادرة على الوصول لتغيير مجريات الأحداث لصالح القضية الأمازيغية ، فالدولة حاليا لا تهتم بالأمازيغية. أعطيكم نموذج ترسيم الأمازيغية باعتبارها القضية رقم واحد لدى الحركة الأمازيغية حاليا، في هذا الجانب ليس هناك ضغط أمازيغي يمكن أن يجبر الدولة على الاستجابة لمطلبنا، وفيما يتعلق ببعض التطورات التي تعرفها الحركة الأمازيغية مثل بروز الأحزاب، فهذا جانب غير قادر راهنا على فرض أمور جديدة وهذا لا يمنع من القول أن هناك حركة نضالية فيما يتعلق بمسألة الدستور.وعلى العموم يمكن أن نقول أن الحركة الأمازيغية هي بصدد تأسيس مرحلة جديدة يلعب فيها الشباب دورا حيويا وهذا ربما ما يميز الحركة الأمازيغية في هذه المرحلة.

* بناء على ما ذكرت ما هي في نظرك أبرز سمات المشهد السياسي بالمغرب ؟

هناك ما يتعلق أساسا بالدولة، فالدولة تتحكم في كل صغيرة وكبيرة، ربما ماعدا ملف الصحراء، وذلك نظرا لطبيعته الدولية وخروجه عن السيطرة، و تلعب الملكية ومحيط القصر الدور الأساسي في هذا الشأن مدعومة بالأحزاب وبجزء ضخم مما يدعى بالمجتمع المدني، فالمغرب سيعرف منذ حكم محمد السادس أحداث متنوعة ومتسارعة، وهذه الأحداث هي ما يطلق عليه بمشروع الانتقال الديمقراطي، ونلاحظ الآن انه تم تحضير المواطن لانتخابات جديدة من خلال القنوات الرسمية، وهي انتخابات ستزيد من تهميشنا، فيما ستقرب بين القصر والنخب الانتخابية، وسيكون هذا على حساب مستقبل الأمازيغيين.

* ما هو تقييمكم إذن، لما يسمى بتجربة الانتقال الديمقراطي، والى أي حد توفرت شروط نجاح هذه التجربة ؟

يتعلق الأمر بمناورة، وليس هناك انتقال ديمقراطي ولا غيره، ونحن الأمازيغيون نؤكد دائما أننا لسنا معنيون بما يتم طبخه في المركز لقد أشرت لك أن بعض الأحداث المتسارعة والترقيعية ويدخل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في إطارها، هي ما يطلقون عليه انتقال ديمقراطي، إنهم يزيدون تحكما في قضايانا على حساب حقوقنا ومن اجل تغيير هذه الأمور فانه يجب أن نهيئ الحركة الأمازيغية للنزول إلى الشارع والبحث عن قنوات أخرى.

* الأستاذ كريم مصلوح بجانب كونك فاعل جمعوي ومناضل في صفوف الحركة الأمازيغية، أنت أيضا باحث وتهتم وتشتغل على العديد من المواضيع من بينها موضوع الحكم الذاتي، في نظرك أين تكمن أهمية البديل الفدرالي وأنظمة التسيير المحلي؟

الفدرالية أو الحكم الذاتي ارتبطت بفكر الحركة الأمازيغية، فالوعي السياسي والقانوني الرسمي في المغرب انبنى في أسسه على المركزية في كل شيء، إن أهمية أنظمة الفدرالية متعددة، مثل تدبير علاقات التعدد، تقوية الحريات السياسية، احترام المواطن في اختيار جهته كما أن الفدرالية/ الحكم الذاتي تقوم على عدة ايجابيات أخرى من قبيل وضع شؤون اجتماعية وسياسية واقتصادية ومالية ودولية أمام المواطنين المنتمين لهذه الجهة أو تلك، لكن دعني أقول لك أن الفدرالية ليست حكرا على الدول المتقدمة، فعدد من الدول الإفريقية والأسيوية وغيرها بلدان فدرالية، وهي بلدان نامية أو متخلفة ، وليس للفدرالية فيها أي تأثير ايجابي أمام تفشي الفساد والاستبداد، ونحن نطرح المسألة الفدرالية عن وعي وليس عن جهل، و نقول إن الحكم الذاتي الذي نريده يجب أن تطرح توزيع السيادة من جديد، فنحن الأمازيغيون لا نمارس حقوقنا، كيفما كانت طبيعتها، فالامازيغيون ليس لديهم مثلا النشيد الوطني، وهذا مثل بسيط ، ونقول يجب أن يكون لدينا هذا النشيد وقس على ذلك، القضايا الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فالفدرالية ليست فقط أداة للتنمية أو لتسهيل الإدارة المحلية فهذه ليست دائما صحيحة، فالفدرالية في جميع التجارب، تحكمت فيها ضغوطات سياسية إما في اتجاه تفكيك المركز كما حدث مع بلجيكا وكندا وغيرها أو في اتجاه توحيد السيادات كما حدث في سويسرا مثلا منذ 1848 ، و أنا اعتبر انه في حالتنا يجب أن نفهم أن الفدرالية التي نطرحها تتحكم في جوهرها معطيات سياسية ، بمعنى أن المواطن والجهة سيكونان في قلب الحدث السياسي .


* بالنسبة لك، ما طبيعة البديل الذي تطرحه، هل النظام الفدرالي أو الحكم الذاتي أو الجهوية الموسعة ؟

بالنسبة لنا في الريف يجب أن ندافع عن حكم ذاتي موسع، وأنا ادفع في اتجاه تأسيس حركة ريفية لهذا الشأن، فالفدرالية تقتضي بروز حساسيات جهوية، ويبدو إلى حد الآن، وكما كان دائما، الريف جهة قادرة على الضغط، فهو إقليم يتوفر فيه ما يسمىpressions centrifuges ، والريفيون يجب أن يوحدوا قوتهم من اجل هذه المسألة تحديدا، كما أن الحركة الأمازيغية ليست قادرة على فرض نموذج فدرالي حاليا، والدولة لا تهتم بنا نحن في الريف، وأنا أقول أن الامازيغ عليهم أن يشكلوا جبهات جهوية قوية …

* ما هي أهم الاعتبارات التي تجعلك تطرح هذا البديل ؟ و ما هو تصوركم لذلك ؟

الحكم الذاتي للريف مسألة لا رجوع فيها، وهذا الحكم الذاتي سيمنحنا قوة التركيز على إقليمنا فهو يحتضر، هويته مهددة، أبناؤه يهاجرون، والدولة تعمل حاليا من أجل تحطيمه .

* لكن هناك بعض المشاريع المهمة التي تود إعطاء انطلاقة جديدة بالريف؟

دعني أقول لك أن هذه المشاريع جاءت بضغط أوروبي كبير، فما الذي تحقق منذ إنشاء وكالة تنمية الشمال، لاشيء كما تعلمون، بل إن هذه الوكالة تم توجيهها من جديد نحو بعض المراكز، نعم الدولة عملت على مد خط سككي وكذا بناء الطريق الساحلي، فهذين مشروعين سيكونان ضد جوانب أخرى، فالدولة تخاف من الريف بتاريخه وثقافته ولغته، وهذه المشاريع ستكون من أجل تدمير هوية الريف، كما أن بداية المتاجرة بجبال الريف وتحويلها للمستثمرين السياحيين ستبدأ لا شك. إن هذه الأمور ستكون خطيرة على مستقبل المواطن الريفي لأنه لا تضمن له تسيير مثل هذه المشاريع، فهي يتحكم فيها المركز، في الوقت الذي نظل نحن الريفيون نتفرج، والدولة تشجع مثل هذه الأمور حاليا، لأنها تنتمي إلى ما يطلق عليه بمشاريع الدمج، وأنا أقول انه يجب أن تكون مثل هذه الأمور بيدنا ونتحكم فيها.

* هل هذا يعني أنكم تعارضون مثل هذه المشاريع ؟

نحن نعارض أهدافها، فهدفها ليس تنميتنا إنما هو مزيد من محو وجودنا والريفيون قادرون على بناء نموذج يطمحون إليه، فالريف ليس جهة وفقط بل هو وطن.

* وما هو تصوركم لهذا الحكم الذاتي ؟

نحن لدينا تصور عن الحكم الذاتي في الريف، فبالإضافة إلى إن هناك جوانب معيارية مثل وجود سلط ثلاث، فإننا سندافع عن ما سيكون في صالحنا ويتلاءم مع خصوصيتنا، ونظرا لإمكانيات الريف الضعيفة، فانا أقول دائما بأننا يجب أن ندافع عن وضع استثنائي للريف، يفرض على الدولة التعويض الاقتصادي والاجتماعي وغيره لصالح الريف، فهو كان دائما مستنزفا، ومن يعرف الريف، سيعرف بأنه يخلو من إمكانيات اقتصادية واجتماعية وغيرها ، فهناك بعض مدننا مثل الناظور والمراكز الحضرية الأخرى ، أنشأها الريفيون بقدراتهم، ودور الدولة هنا كان فقط هو جمع الضرائب والجبايات وترحيل الأموال من الأبناك، والمتاجرة في البحر المتوسط، ومتابعة من يعتمدون في معيشتهم اليومية من مليلية وكذا شن حملات ضد أبناء المنطقة ممن تتهمهم بالمتابعة في المخدرات، لذا فان الريف هو بحاجة إلى ابناك جهوية مستقلة عن المركز، كما أننا في حاجة إلى أحزاب ريفية.على العموم أنا لا استطيع أن أمدك بكل شيء الآن، و قلت أن لدينا وثيقة حول الحكم الذاتي للريف، وهي تتضمن الخطوط العريضة للحكم الذاتي الذي نريده.

* الأستاذ مصلوح، أعلن فرحات مهني الناطق باسم الحركة من أجل الحكم الذاتي للقبايل حول سؤال يخص نموذج الحكم الذاتي الذي يراه اقرب إلى القبايل، بأنه يميل إلى نموذج فيدرالي في غياب نضج للدعوة الى حكم ذاتي، وانه يغريه نموذج كاطالانيا ؟ ما هو تعليقك على ذلك ؟

القبايليون رغم ما عانوه، فان الحكم في الجزائر كان أكثر تعنتا، وحركة الحكم الذاتي للقبايل جاءت نتيجة اقتناع فرحات مهني وغيره بأهمية الحكم الذاتي لحماية المواطن القبايلي من الحكم في الجزائر، إلا أن هذه الحركة لم تستطيع بعد أن تجد لها مكانا قويا داخل القبايل، فجزء مهم من القبايليين لا يؤيدون الحكم الذاتي، بل هناك من يعارض هذه المسألة داخل القبايل نفسها، والحكم في الجزائر لا يؤمن لا بالحكم الذاتي ولا بالأمازيغية، بالنسبة لكاطالونيا، فهو نموذج متطور، ولكنه قام على مؤهلات قوية، فإقليم كاطالونيا كان مجالا لتمركز الصناعة الاسبانية منذ القرن 19، نتيجة بروز نخب اقتصادية ولكن دعني أقول أن الحكم الذاتي في كاطالونيا لم تتحكم فيه أساسا هذه القوة الاقتصادية والديمغرافية، بل قام لوجود نخبة مبكرة ستبرز منذ القرن 19، التي قامت على ما يعرف ب : le catalanisme، وهي نخبة ستبني مشروعها السياسي على وجود لغة وثقافة كاطالانية، وفي هذه النقطة الأخيرة، ربما هناك بعض التشابه بين القبايل وإقليم كاطالونيا .

* كيف ترى طبيعة تعاطي الدولة مع تنامي دعوات المطالبة بمنح حكم ذاتي لمختلف المناطق المغربية ؟

هناك ما يجب الحذر به، فمسألة الجهة كانت دائما حاضرة في الخطاب الرسمي، في فترة معينة ستبرز مفاهيم اللاندرات، الحكم الذاتي وغيرها ولكن الدولة واقعيا كانت ضد الجهة، فالتقسيم الترابي، وتنظيم الجهوية بقانون 47-96 ، سيكشفان عن أن الأمر كان مزايدة، وربما حاليا هناك ما يتعلق بمقترح الحكم الذاتي للصحراء، وهو الذي ربما يفتح بعض الإمكانيات ولكن يجب أن ننتبه جيدا، فحتى في حالة تطوير الجهوية الحالية، فليس هناك مؤشرات منح حكم ذاتي للريف، وإعادة الاعتبار لحدوده، فلا شيء يمنع الدولة من تحريك الجهوية القائمة وتطوير بعض صلاحيات المجالس الجهوية وتنظيمها عن طريق الانتخابات ونحن هنا، نطرح أسئلة عميقة، هل الدولة مستعدة للتخلي عن نظام الولاة، هل مستعدة على أن تترك الريفيين يختارون حدودهم ؟ وأن تتخلي عن تشتيتهم ؟ وأنا أقول لك أن الدولة حاليا غير مهتمة بالريف أو الجنوب الشرقي أو الأطلس أو غيرها، بل هناك عزم على تدمير هذه الجهات، فهي جهات أمازيغفونية ولديها تطلعات كبرى، والدولة تسعى إلى جعلها جهات جغرافية ومجالية لا تطرح أية حساسية .

* في نظرك هل سيؤثر هذا المطلب على سيرورة النضال حول العديد من المطالب الاخرى ؟

بالطبع لا، فالحركة الأمازيغية هي أول من يطالب بالحكم الذاتي، وهذا أصبح ضمن أولوياتها، وهو حل لا ينفصل عن القضية الأمازيغية، لذا فنحن لا نريد حكم ذاتي للريف يتحكم فيه العروبيون، ولا نريد الريف لغته الرسمية هي العربية، يجب أن نوضح هذه الأمور، فلو حدث هذا سيكون آنذاك الحكم الذاتي ضدنا، وهذا ما يجعلني أقول أن الامازيغيين عليهم بناء حركات جهوية قوية .

* طرح المغرب مشروع الحكم الذاتي للصحراء كيف تقرأ أهم مضامين هذا المقترح، وكذا آفاق وموقع مشروع الحكم الذاتي ضمن خارطة الحلول الأخرى السابقة ؟

البوليزاريو طرف ليس وحيدا، فهو لديه حلفاء، والجزائر تدعمه بكل جهدها الدبلوماسي، ومجلس الأمن كما كان منتظرا مدد من جديد في المينورسو ودعا الأطراف للتفاوض، وليس هناك في رأيي ما يشير إلى أن النزاع سيحل في المدى القريب، أما مضامين المقترح الذي قدمه المغرب، فهي مضامين موجودة في أنظمة الحكم الذاتي.
في كل الأحوال يصعب التكهن حاليا بمسار الملف. وأنا اعتقد أن الأمازيغيين، في حالة ما وعوا أدوراهم فإنهم طرف قادر على تغيير موازين القوى، في حالة ما مثلا استطاع أمازيغ جنوب الجزائر تحريك مصالحهم، فالطوارق يجب أن تكون لديهم دولة أيضا على حساب ما تعتبره الجزائر صحراءها، وكما تلاحظون فان أقليات عروبية في المغرب أو في الجزائر تتلاعب بصحاري أو أراضي الأمازيغيين .