وجهٌ مِن الناظور (16): الفقيد الحاج محمد عبد الخالقي.


وجهٌ مِن الناظور (16):  الفقيد الحاج محمد عبد الخالقي.
بقلم: عبد المنعم شوقي.

و أنا أواصل معكم أيها الأحبة والأصدقاء الكرام النبش في ذاكرة هذا الاقليم و استحضار مجموعة من الشخصيات و الرموز التي أعطت الشيء الكثير للناظور و الوطن، وجدت نفسي أخرج بخلاصىة أولية مفادها أن هذه المنطقة من وطننا الحبيب لا يمكن لها أن تنسى رجالاتها.. و أنه كلما تذكرنا أحد هؤلاء إلا و تبادر إلى ذهننا رجل آخر و قامة أخرى من القامات التي تأبى النسيان و الاندثار.. فجبال الريف الشامخة أعطت فعلا رجالا تلو الرجال.. رجالا مؤمنين بربهم.. متمسكين بالمذهب المالكي و بدينهم الحنيف.. محبين لوطنهم ومقدرين لأولي أمورهم..

وقد لاحظتم مثلا في الشهادة المتعلقة بوجه حلقة امس سيدي الحاج أحمد أبي علي فليل، فهو إلى جانب ممارسته لمهنة القضاء، كان يتنقل إلى مليلية المحتلة لإعطاء دروس في الوعظ والإرشاد أو كما أضاف في رد جميل الأستاذ الفاضل السي أحمد أنو من هيئة المحامين بالناظور معلقا على شخصية حلقة أمس حيث أفاد بأنه داخل جلسات المحكمة كان يرفع أكف الضراعة مع متهم ما من أجل أن يهديه الله ويتوب عليه سبحانه وتعالى..

وجه اليوم أيها الأحبة الكرام كان في زمن مضى، و بالضبط في سنة 1960 رئيسا للمجلس البلدي لمدينة الناظور حيث كان نموذجا للرئيس القادم من الأستاذية خِلافا لما نَشهدُه في زماننا هذا من تسيُّب و استهتار.

وُلد الراحل سنة 1932، و هو ابن العلامة سيدي عبد الخالقي المعروف بقاضي الناحية رحمه الله. ترعرع في بيئة تتَّسم بالتفقّه و حب العلم و الفضيلة. حصل على الشهادة الجامعية من جامع القرويين بفاس في أوائل الخمسينات ليعمل أستاذا للدراسات الإسلامية إلى جانب البلاغة والمنطق بالمعهد الأصيل بالناظور.. شغِل كذلك مسؤولياته النضالية بكتابة فرع حزب الاستقلال و أبدع في أنشطته الحزبية و الثقافية.

هذا، و يُعتبر المرحوم عبد الخالقي من الأفواج الأولى لخريجي المدرسة الوطنية لتكوين الأطربالقنيطرة حيث عمل قائدا و رئيسا للدائرة بعمالة الرباط تمارة، ثم بدائرتي اجزناية و أصيلة بعمالة طنجة.. إضافة إلى أنه كان ضمن اللجنة التي استقبلها المغفور له الحسن الثاني مباشرة بعد المسيرة الخضراء سنة 1975، و كلفها بالإشراف على التسيير و التنظيم بالصحراء المحررة لمدة سنوات.

و بالرغم من تقاعد الفقيد العزيز، فقد ظل نشاطه الثقافي و الاجتماعي بارزا في مختلف المجالات، حيث كان لا يترك أي فرصة تمر دون أن تكون له مداخلات و مساهمات.

و لهذا كله، فقد أحدثت وفاة المرحوم عبد الخالقي في سنة 2016 ألما وحزنا كبيرين داخل أسرته ومحبيه سواء بمدينة طنجة أو في كل المناطق التي تنقل إليها و ترك فيها بصماته التي لا تُنسى.

إن كل من عايش هذا الشهم الأبي لَيعترف حقا أنه كان موسوعة تضم بين جنباته علما غزيرا ينتفع به.. و لَيشهد له بجميل تواضعه و صَواب استقامته.

يذْكُر العارفون به أن كل من كان يجالس الحاج محمد عبد الخالقي لا يحتاج أن يتكلم لأن جميع مفردات اللغة لا يمكنها أن تستوعب أحاسيسه الصادقة و مشاعره الفيّاضة.

لقد عاش رحمة الله عليه مِثالا لرجل سلطة يحب العلم و يحرص على طلبه.. فوهبه الله سبحانه و تعالى عقلا متفتحا يُرشده إلى سلْك خطواته في الحياة بتبصر و رزانة و بعد النظر.
و لقد ترك الفقيد وراءه خلَفا طائعا و ذرية صالحة تدعو له في كل لحظة بالرحمة و المغفرة و جنة الفردوس.

و أنا شخصيا اعتز أيما اعتزاز بصداقاتي الكبيرة مع شقيقيه الفاضلين الأستاذين الجليلين سيدي عمر الخبير بالمحكمة الابتدائية بالناظور و سيدي احمد الخالقي القائد السابق والكاتب العام للمجلس البلدي للناظور ايام العز والزمن الجميل.

و لا يَسعنا في آخر هذا المقال إلا أن ندعوَ لفقيدنا بالرحمة و المغفرة و حُسن الجزاء.. و أن يُنيرَ لذريته دروب النجاح و الصلاح حتى يَسيروا على خُطاه و يُواصلوا على نهجه.